هز انفجار قوي ما تبقى من نوافذ في مركز الاقتراع رقم واحد الكائن في مبنى المجلس البلدي في مدينة الرمادي المضطربة في غرب العراق التي يسكنها السنة وتبع الانفجار زخات قوية وعنيفة ومتواصلة من الرصاص من أسلحة سريعة الطلقات وكان مركز الانتخاب قد تم افتتاحه قبل ثلاثة دقائق فقط من الاعتداء عليه من قبل العناصر المسلحة التي أبت إلا أن تشارك في هذا الحدث بطريقتها الخاصة. وفي حي الصوفية كان يتعين على حراس أمن يعملون لصالح شيوخ عشائر حماية أربعة عشر من مراكز الاقتراع وابعاد العناصر المسلحة عنها يوم الجمعة غير ان عناصر مسلحة أبت ايضا إلا أن تشارك بطريقتها حيث قصف مسلحون ثلاث مدارس، غير أن أحد العاملين في الانتخابات قال بان نحو ثمانية آلاف شخص شاركوا ليلة السبت في الانتخابات بأعداد اكبر بكثير من عدد الناخبين في الرمادي والتي لم يشارك حتى ولم يتوجه ولاحتى ناخب واحد إلى مركز الاقتراع رقم واحد والذي بقي خاليا تماما إلا من بعض حراس الأمن وقليل من الناخبين الذين كانوا قد أدلوا بأصواتهم في مراكز انتخابية مجاورة ودفعهم الفضول للتوجه الى ذلك المركز لمعرفة حاله. وعلى بعد ثلاثين ميلا الى الشرق وفي مدينة الفلوجة الحصن المنيع السابق للمسلحين العراقيين والتي حولها الغزو الأمريكي في نوفمبر عام 2004 الى مدينة عسكرية بدأ الناخبون من السنة الوقوف في صفوف طويلة في مراكز الاقتراع في الساعة الثامنة صباحا تقريبا تحت مراقبة دقيقة ومكثفة من رجال شرطة وجيش معظمهم من الشيعة وقد تزايدت أعداد الواقفين في الصفوف بمرور الوقت وقد ظهرت النساء مرتديات الثياب الوطنية السوداء حيث امتدت الصفوف الى مسافات طويلة. وقال ميكانيكي السيارات خليل عبد الله احمد البالغ من العمر 45 عاما أثناء وقوفه داخل مركز اقتراع في جنوب الفلوجه «إننا جئنا للمشاركة في الاقتراع تلبية لدعوة زعمائنا الدينيين والسياسيين وإنني سأصوت ب (لا) لان زعماءنا قالوا بان هذا الدستور غير ملائم لمجتمعنا وبلادنا وانه لا يجوز التصويت ب (نعم) عليه لانه يخالف الشريعة الإسلامية». وعكست هذه المشاهد المتناقضة في الانبار الطبيعة المعقدة والمختلفة لمشاعر العراقيين السنة تجاه الدستور وتجاه العملية السياسية برمتها في العراق، ففي يناير وخلال انتخابات البرلمان الانتقالي فقد كانت مشاركة الناخبين في المحافظات التي يهيمن عليها السكان السنة قليلة للغاية على نحو لا يذكر مما حمل مسؤولين امريكيين للاعتراف بأنه من الممكن أن تكون مواقف السنة من الناحية السياسية اكثر تأثيرا مما كان يعتقد سابقا غير أن هنالك دليلا على أن المشاركة في ثلاثة من تلك المحافظات على الأقل وهي محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى كانت أعلي مما كان عليه الحال في يناير. وتظهر الزيادة المحتملة في مستويات المشاركة في الأجزاء الشمالية والشرقية من مثلث السنة وفي الفلوجة بأنه ربما يكون هنالك بعض الانفراج في الساحة السياسية ولكن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان ذلك سيساعد على تقليل حدة التمرد المسلح أو تقليل عداء السنة لحكم الشيعة والأكراد. غير ان جعل المزيد من السنة يشاركون في العملية السياسية لايعني بكل تأكيد بأنهم سوف يقبلون الهيكلة الجديدة للسلطة حيث يبدو أن العراقيين السنة الذين توجهوا الى مراكز الاقتراع عبر طرقات خالية من المارة تقريبا يوم السبت سعيترضون في الاستفتاء على الدستور وأعرب الكثيرون منهم عن المخاوف السائدة لدى السنة من أن الدستور يعزز النظام الفدرالي مما يضعف الحكومة المركزية ويحتمل أن يسمح لمناطق الشيعة والأكراد الغنية بالنفط أن تصبح مناطق وكيانات منفصلة في واقع الحال. ويمكن إجازة الدستور بموافقة اغلبية بسيطة مالم يصوت ثلثي الناخبين في ثلاثة محافظات ب«لا»، ويأمل العراقيون السنة بمشاركتهم الكبيرة في الاستفتاء في محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى بالحاق الهزيمة بالدستور من خلال الإيفاء بذلك الشرط. وقال المزارع مشعل العزبة «50 سنة» ومن مواطني مدينة ربيعة في محافظة نينوى «لدينا الآن مركزان للاقتراع وكان إقبال المشاركة الانتخابية فيهما جيدة وإنني قد صوت بلا على الدستور لأنني لازلت أؤمن في أن يكون لدينا نظام مركزي قوي.» وفي محافظة ديالى والتي تبلغ نسبة السكان السنة فيها 40 في المائة قال مراقب انتخابات بمدرسة الفك الابتدائية في حي مفرك الذي يهيمن عليه السنة بان اكثر من ألف شخص قد أدلوا بأصواتهم الانتخابية في الساعات الأربعة الأولى وانه حتى وقت متأخر من الصباح كانت طوابير لاتزال تمتد من داخل غرف التصويت الى الساحة الداخلية لمركز الاقتراع. وفي كل أرجاء البلاد فقط أعطى السنة الذين صوتوا بلا للدستور أسبابا مختلفة فقد قال بعضهم انه نفذ نصيحة علماء الدين بهذا الشأن بينما قال آخرون ومن بينهم الكثير من العلمانيين ومن الطبقة الوسطى بان البلاد وتحت إدارة الشيعة ستتجه الى اتجاه خاطئ. وقال العامل بشير احمد البالغ من العمر ثلاثين عاما والذي كان أدلى لتوه بصوته في مدرسة المأمون الثانوية للبنات في حي اليرموك في بغداد «إنني اقترعت بلا على الدستور لان به الكثير من البنود التي تخالف بعضها مما يعطي الانطباع بأنه غير راسخ كما انني اعتقد ايضا بأن الفدرالية لن توحد العراق وانما ستعمل على تجزئته لان كل منطقة ستكون لها قوانينها الخاصة ومع ذلك فانهم يقولون بأنها ستوحد العراق فكيف وربك يكون هذا؟». وفي حي الاعظمية في بغداد ذي الأغلبية السنية والذي ظهر فيه صدام حسين علنا لاخر مرة خلال الغزو الأمريكي فان الكثيرين من المقترعين تحدثوا بعداء واضح للدستور، وقالت نهى المختار «42عاما» أثناء سيرها مع ابنتها ذات السبع سنوات «إننا ضد تقسيم العراق وانه لا يوجد من يحب صدام حسين غير اننا نرغب أن نكون آمنين في ديارنا وعندما نسير في الطرقات». ( نيويورك تايمز خاص بالرياض)