أدت جموع حجاج بيت الله الحرام ظهر أمس صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا في مسجد نمرة بعرفات اقتداءً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد أن انتظم عقدهم على صعيد عرفات الطاهر. وامتلأ مسجد نمرة والساحات المحيطة به بجموع المصلين الذين توافدوا منذ وقت مبكر على المسجد لاداء الصلاة والاستماع للخطبة. وقد أم المصلين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وادارة البحوث العلمية والافتاء المصلين والقى خطبة استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر . ودعا الناس الى تقوى الله في السر والعلن وتوحيده واقامة أركانه والتمسك بنهج الله القويم واتباع سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع أعمالهم وأقوالهم. خلق الله أبانا ادم أبا البشر بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته واسكنه جنته حسدهما ابليس فزين لهما المعصية فأهبطهم الله من الجنة هبط ادم وزجته من الجنة وهما يحملان نور الايمان والهداية الى الارض تحقيقا لوعده { إني جاعل في الأرض خليفة} ليعمر الارض بطاعة الله وتوحيده ولتستضيء الارض كما استضاءت السماء وضل نور التوحيد الهداية للبشرية قرونا عديدة حتى اجتالت الشيطان بني آدم وزينت لهم الشرك بالله واخرجتهم من النور الى الظلمات . وأضاف «ما من مولود الا ويولد الا في قلبه نور الهداية والايمان ولكن شياطين الانس والجن تجتاله عن تلك الفطرة تخرجه من النور الى الظلمات من نور التوحيد الحق والهداية الى ظلمة الشرك والجهل والاخلاق الرذيلة {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} وتطرق سماحته الى ما تعج به المجتمعات قبل الاسلام من المنكرات والاباطيل وأحوال مزرية وأمور مظلمة بددها نور الاسلام وأضاء سماءها ونقى عقيدتها . وأبرز سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ تكريم الاسلام للمرأة التي كانت تعاني في الجاهلية من ظلم الظالمين وجور الجائرين سنين وقروناً، فجاء الاسلام جاء بالنور المبين فأعطى المرأة حقها فهي الام الواجب برها والاخت الواجب صلتها والزوجة الواجب حسن معاشرتها والبنت الواجب تربيتها وبين حقها في الميراث وحجبها بنور الايمان ليمنعها من أعين الطامعين المفسدين. وأبرز سماحته ما جاء به الاسلام من خير عام وعلاج كامل لمشكلات الأمة وتنمية اقتصادها وحفظ للحقوق والاستفادة من كل تقدم نافع والعدل والرحمة والسماحة والاخلاق الكريمة واحترام حملة الدين وأهله من الصحابة ومن سار على نهج الدين وحذر من مسالك التطرف غلوا وجفاءً. وأكد دعوة الاسلام الى الاهتمام بمصالح الأمة وتقديم المصالح المتعدية وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها مؤكدا أن المصالح العليا للامة يجب اعمالها وتماسكها وحماية مقدراتها التي هي امور سبب لانتشار الدين وهيبة الأمة وعز الاسلام محذرا من التعدي عليها لاي غرض شخصي أو هوى بدعي او مصالح حزبية اومطالب اقليمية أو نعرات جاهلية أو عصبية قبلية. ولفت سماحته الشعوب والقادة الى ما تمر به الأمة من أمور خطيرة تستوجب من الجميع وقفة صادقة يقدم من خلالها المصالح العامة على المصالح القاصرة ونهتم بدرء المفاسد تقديما على جلب المصالح حفاظا لكيان الأمة. ودعا الشعوب المسلمة الى الالتفاف حول قياداتها بما توجهوا اليه من خير والمناصحة معهم بما يعود على الأمة بالخير محذرا من منابذتهم موضحا ان مصالح الأمة لا تحل الا بالحكمة والبصيرة والتدبر والتعقل. وأوصى سماحته القادة المسلمين بتقوى الله في الامانة التي يحملونها في أعناقهم مبينا أن حل المشكلات لا يكون بالزج بالامة في أمورلا تحمد عقباها بل الحكمة والتروي في الامور ودراسة الاحوال قبل كل شيء لتكون قرارات الأمة قرارات مصيبة مبنية على الحكمة والتروي في الامور كلها. وحذر سماحته الأمة الاسلامية من مكائد الاعداء الذين لا يألون الأمة خبالا ويودون تفرق الأمة وخلخلة أمنها وكيانها مشيرا الى ما يعيشه العالم شرقا وغربا من انتظام في تكتلات اقتصادية عظمى تجمعهم مصالح دنياهم يحاولون تشتيت الأمة عن دينها مهيبا بالمسلمين الى الاجتماع على دينهم وعدم تفرق قلوبهم . وألمح سماحته الى تساؤل المسلمين عن عدم ائتلاف الأمة الاسلامية ووجود كيان اقتصادي موحد خال من التبعية .. كيان يستمد منهجه من كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيان خال من الربا اخذا وعطاءً .. كيان يجعل اسواق الأمة لتسويق منتجاتها وصناعاتها كيان يعطينا قوتنا وتميزنا ولا يتم ذلك الا بتعاون الجميع لايجاد منظمة اقتصادية اسلامية تعالج مشاكل العصر حتى تكون الأمة على استقلالها كم أراد الله . وأعاد سماحته الاذهان الى نداء المصطفى صلى الله عليه وسلم العام للامة في مثل هذا اليوم بقوله ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ..وقال «انه النداء الذي يحقق حقوق الانسان الحقة المبنية على العدل لا على الظلم والجور وحقوق الانسان التي أرادها الاسلام حفظ للمسلم حقه في الحياة فحرم الاعتداء على النفس وحفظ حقه في التصرف في المال فحرم الاعتداء على الاموال حفظ حقه في تكوين الاسرة وتربية الاولاد فحفظ كرامته وشرفه وحرم الاعتداء على عرضه .. هذا دين الاسلام». ولفت سماحته الى الاقوام التي ترفع شعارات براقة ليخدعوا بها الامم باسم حقوق الانسان وقال «شعارات طالما تنادوا بها باسم حقوق الانسان وانما هي الشعارات الزائفة لاستغلال الامم والسيطرة عليها ثم نراهم من أول من خالفها ولا نجد لها بينهم ذكرا ..فهل حقوق الانسان حق شعب دون شعب او لزمان دون زمان». وأفاد سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية على أن الاسلام يشتمل على سنن كونية لا تتبدل ولا تتغير من أخذ بها نال بتوفيق من الله نصيبا من مسبباتها مسلما كان أو غير مسلم مذكرا بما نال به السلف الصالح من أخذ العلوم والاستفادة من تجارب الآخرين . وحث على العدل قائلا «ان الله يحب العدل وامر به وبه حكم.. والعدل كله خير وهداية وكله صلاح وبه ارسل الله الرسل وبه انزل الكتب وبه شرع الشرائع للحفاظ على الكيان البشري.. مشددا على انه بالعدل تحصن الدماء وتصان الاعراض وتحفظ الاموال وتطمئن النفوس والعدل ينشده الضعفاء والاغنياء وكل عاقل وفيه خير ونعمة وبه صلاح الأمة وقيامها ». وأوضح أن غير المسلمين عاشوا مع المسلمين دهورا عديدة ولم يشتكوا ظلما ولا هضما وانما عاشوا تحت كيان الأمة المسلمة ولم تكن لتفرض دينها بالقوة لان ذلك ينافي تعاليم الاسلام وكان ذلك سببا في دخول الناس في الاسلام افواجا. وناشد صناع القرار في العالم ان يعوا أن الظلم حرمه الله على نفسه وجعله محرما بين عباده ..بل موضحا ان الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة وان عاقبته ضرر على البلاد والعباد والاموال. وأبان أن هناك حملات تشن على الاسلام اقتصادية وفكرية واعلامية وعسكرية وتصف الأمة بالارهاب والتخلف والانتقاص من حقوق الانسان داعيا المسلمين الى مواجهة تلك الحملات وايضاح حقيقة الدين الإسلامي الذي جاء بالعدل وحفظ الحقوق واحترام الحريات لمن تدبر تعاليمه ومبادئه. وانتقد سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ انتهاج البعض مناهج فلسفية شرقية او غربية لا تزيد اهلها الا بعدا عن الله.. داعيا المسلمين الى عدم الانخداع بالحضارات الهشة والبعد عن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم . وأبرز سماحته ما ابتليت به أمة الاسلام مما كان من بعض ابنائها الذين اغواهم شياطين الانس والجن بسوء توجيههم بتبنى فكر التكفير فكفروا الأمة واستباحوا الدماء المعصومة ونقضوا الذمم وسعوا في الارض فسادا بالتفجير وقتل الابرياء وترويع الآمنين والطعن في ولاة امور المسلمين.. مؤكدا ان ما تقوم به تلك الفئة صفقة خاسرة حيث شوهوا صورة الاسلام وفرحوا اعداءه. وحث سماحته الشباب المسلم على تقوى الله وعدم الانقياد وراء كل دعاية والوقوف عند كل داع وفكره ووزن هذا الفكر والهدف منه والحرص على ان لايتخذهم اعداء الأمة الاسلامية مطايا لتحقيق اهدافهم ..مؤكدا ان العدو يتربص للامة ويظهر النصح والتوجيه وهو يريد القضاء عليها . ودعا سماحته الى محاسبة النفس وتربية الابناء على الاخلاق الكريمة لأن كثيراً من القنوات الفضائية اعلنت حربها على الاخلاق والقيم وحربها على الفضائل ..حاثا على تحصين الابناء بدين الله لتسلم الأمة وتنجو. وطالب سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية علماء الأمة الاسلامية بتبصير عباد الله وتوجيههم الى سبيل الرشاد وقول الحق وافتاء الناس في شرع الله من غير تساهل ولا تشدد مؤكدا ان دين الله وسط بين من غلا وجفا . وناشد سماحته الدعاة ان يدعوا الى الله على علم وبصيرة واخلاص وتبيان الحق بالحكمة والبصيرة ..مبينا حاجة الأمة لشبابها كعلماء عاملين وجنودا منضبطين وحملة للشريعة ودعاة لكل خير .. محذرا من المسالك الرديئة غلوا او تفريطا . وأهاب بالمسلمين في كل مكان والاقليات في العالم الخارجي ان يتقوا الله وان يلزموا دين الله وان يحذروا المصادمات الهوجاء وان يحفظوا اسلامهم وان يربوا ابناءهم على الخير والحذر من ان يستغلهم عدوهم لاغراضه الدنيئة وآرائه السيئة . وأوصى سماحته رجال الاعلام بتقوى الله وتسخير الاعلام الى ما يخدم الأمة والحذر من ان يكون الاعلام موجها ضد العقيدة او ضد ثوابت الأمة وكذلك تقوى الله في ماتبثه القنوات الفضائية من مواد هابطة وماجنة وانهم مسؤولون امام الله. وأثنى على الجهود التي تبذلها جميع القوى المشاركة في خدمة الحجيج وفي مقدمتها رجال الأمن ومن أعانهم داعياً الله أن يعينهم وأن يثبت أقدامهم وأن يجعل مساعيهم مساعي خير وصلاح. وحذّر سماحته في ختام خطبته حجاج بيت الله من الاخلال بأمن بلد الله الحرام وعمل ما يعكر صفو الحجاج.. حاثاً إياهم على الاستغفار وتغطيتهم حرمات الله وأن يتمسكوا بسنة رسول الله في أداء مناسك الحج.