أصبحت القروض القاسم المشترك لكثير من المستفيدين من خدمات بنوك المملكة، ويندر أن تجد مواطناً ولا مقيماً لا يكون مرتبطاً بمديونية لأحد البنوك أو شركات التمويل، وفي أحسن الأحوال وكالات السيارات، ومع تزايد أوجه الإنفاق والالتزامات الأسرية يكتشف كثير من المقترضين أن ما تبقى من رواتبهم لا يغطي احتياجاتهم، لتبدأ رحلة المعاناة في اللجوء للأصدقاء، من أجل طلب سلفة أو فزعة إلى حين ميسرة، ومثل تلك المعاناة تمتد طلية فترة القرض التي تصل إلى خمسة عشر عاماً أحياناً، وقد يغادر المقترض الدنيا والقرض ما زال يلتف حول رقبته. وكان العديد من المستفيدين قد طالبوا بالنظر في نسب المرابحة البنوك في المملكة، حيث إنّها لا تدفع ضرائب، وأرباحها تتجاوز المليارات، والفوائد تصل أحياناً إلى ضعف المبلغ، والخاسر الأكبر هو المستفيد الذي يئن من وطأة القروض، معتبرين أنّ صدور اللائحة الجديدة للقروض التي ألزمت البنوك باحتساب فائدة تناقصية على القروض غير مجدية، إذ أنّ البنوك تتفنن في تجاوز هذا الأمر باحتساب فائدة ضخمة تناقصية، وتضمن تحقيق نسبة المرابحة التي تريدها، وإظهار تطبيقها للنظام في آن واحد، مطالبين تدخل مؤسسة النقد وتحديد نسبة المرابحة، خصوصاً فيما يتعلق بقروض الإسكان، وتمويل الاحتياجات الأساسية للأسرة. تخفيض المرابحة محمد كردي وكشف "محمد كردي" عن معاناته والضائقة المالية التي يمر بها بعد أن تقدم لشراء فلة سكنية قيمتها (1.200.000) ريال، واحتسب مبلغ الاقتراض (1.600.000) ريال، مبيّناً أنّ التزاماته المالية للبنك تمتد إلى (12) عاماً، وما يتم استقطاعه شهرياً من الراتب (10.000) ريال، ويتبقى منه (8.000) ريال لا تفي بالتزامات أسرة لديها الكثير من المتطلبات؛ مما يستدعي أحياناً كثيرة الاقتراض من الأصدقاء لمواجهة أي ظرف طارئ، وهو ما يتكرر حدوثه، مبيّناً أنّه يشعر أحياناً أنّه يتسول من شدة الحرج لتكرر الموقف معه، لافتاً إلى جانب آخر تكشف له بعد حصوله على القرض، وهو اضطراره للاستمرار في الوظيفة حتى بلوغ السن النظامي للتقاعد، رغم أنّه يفكر في التقاعد المبكر، إلاّ أنّ تلك الالتزامات تقف عائقاً أمام ذلك. وأضاف أنّه من الضروري أن تتدخل مؤسسة النقد لمراجعة مبلغ المرابحة، وخصم المدة المتبقية من الفائدة، حتى يقل مبلغ الاستقطاع، مطالباً وزارة الإسكان بتسهيل إجراءات القروض التي تقدمها، وإيجاد نظام مع البنوك يدخل قرض صندوق التنمية ضمن قرض البنك، حتى تخف الفائدة وتتقلص المدة، ويكون الالتزام لجهة واحدة، منوهاً بأنّه ينتظر قرض صندوق التنمية العقاري، لكنه لن يتمكن من الإفادة منه؛ لأنّ الصندوق يشترط رهن صك الملكية، بينما الصك مرهون لدى البنك، والفيلا باسم البنك، ولن يفرغ البنك له إلاّ بعد استلام آخر قسط وسداد المبلغ بالكامل. د. عبدالله باعشن طلعت حافظ تخفيف الالتزام وبيّن "صالح زيد" -موظف متقاعد- أنّ القروض مهما كانت فائدتها فإنّها تظل ديناً، والدين همٌ بالليل وذل بالنهار، ويكون له تبعات ولا يعفي نفس من مسؤولية ما يعيشه من ضائقة، موضحاً أنّه تجاوز الخمسين ولا يملك مسكناً، وأولاده أصبحوا كباراً، ولا تتسع الشقة ذات الغرف الأربع لأفراد أسرته، ولم يكن أمامه إلاّ أن يبحث عن فيلا بمساحة مناسبة، وسعر يغطي جزءا منه القرض الذي يأخذه من البنك، إضافةً إلى ما لديه من مبالغ ادخرها، وبعد بحث امتد لأشهر لم يجد إلاّ موقعاً في أطراف المدينة، حيث لا ماء، ولا خدمات صرف صحي، ويبعد كثيراً عن مقر عمله، ولكنه كان هو المتاح. وأضاف أنّه معترف بتحمله مسؤولية إهمال التخطيط لتأمين مسكن لأسرته، واستسلامه للمغريات طيلة ما مضى من عمره، رغم أنّه في مرحلة والتزامات تتطلب مصاريف أكبر مما كان في السابق، إلاّ أنّ ماحدث هو العكس، حيث زادت مصروفاته والتزاماته، وقلّ دخله بعد استقطاع مبلغ القسط، لافتاً إلى أنّ البنوك لا يهمها سوى مصلحتها، مطالباً مؤسسة النقد بمراجعة الفائدة المقررة على القروض الطويلة، خاصةً المرتبطة بالعقار، حيث تصل المرابحة إلى الضعف أحياناً، إذا تجاوزت مدة القرض (15) عاماً، واحتساب فائدة تناقصية كما يحدث في كل دول العالم. وأشار إلى أنّ البنوك في المملكة لا تدفع ضرائب، وأرباحها بالمليارات، والمواطنون يئنون من وطأة القروض، والفوائد تصل أحياناً إلى ضعف المبلغ، مطالباً وزارة الإسكان حل مشكلة الإسكان بتسريع مشروعاتها، وتقديم قرض صندوق التنمية العقارية ضمن القرض المقدم من البنوك، حتى يستفيد المواطن من قرضه، ويقل المبلغ الذي يقترضه، وبالتالي تقل الفائدة ويخف الالتزام على المواطن. مشاكل مستقبلية ورأى "حمد الصحفي" أنّ القروض الطويلة ليست مشكلتها فقط في استقطاع أكثر من نصف الراتب، وإنما المشكلة الأهم تتمثل في عدم القدرة على الوفاء بالالتزام بأموره الحياتية الأخرى، كشراء سيارة جديدة، ومساعدة الأبناء في شؤون حياتهم، كإتمام تعليمهم أو الزواج، معتبراً أنّ هذه إشكالية كبيرة، قد يكون لها تبعات نفسية وآثار اجتماعية سيئة، كاشفاً أنّه اضطر إلى إرسال ابنه للدراسة خارج المملكة على حسابه، بعد تعذر حصوله على بعثه، واضطراره إلى اللجوء للاقتراض من أقاربه. وأضاف أنّ مشكلة القروض الطويلة في أولها، متوقعاً أن نشهد العديد من المشكلات لدى المقترضين بعد مرور مدد طويلة على القرض، والارتفاع المخيف في تكاليف الحياة وتنامي الأسعار والغلاء، مطالباً المعنيين بسلامة المجتمع وأفراده بدراسة الواقع، وتدارك مثل تلك المشاكل، والإسراع بإيجاد حلول لها، مشدداً على ضرورة تدخل مجلس الشورى، وإقرار خطوات عملية ترفع الضرر عن المواطنين المقترضين، خاصةً من كان قرضه لتأمين مسكن له ولأسرته. غياب التخطيط من جهته ذكر "د. عبدالله باعشن" -مستشار مالي- أنّ الكفاءة المالية والمقدرة على السداد دون تعثر هو أول الخطوات الصحيحة لقرار الالتزام بقروض طويلة الأجل، كما يحدث في القروض العقارية، معتبراً أنّ التخطيط ثقافة اجتماعية طارئة على مجتمعنا، خصوصاً مع تغير أساليب الحياة ونشوء الظاهرة الاستهلاكية، والاستسلام لإغراءات المسوقين، والاندفاع غير المدروس في الالتزامات المالية، حيث كانت العروض التسويقية الطعم الذي أوقع بالكثير من المواطنين في مشاكل وتعثر بعد ارتباطهم بقروض، توصل في النهاية إلى مطالبات بالسداد، وقضايا تنظرها المحاكم؛ بسبب التورط في قروض دون وجود ملاءة مالية تحمي المقترض من التعثر. وأضاف أنّ البنوك والمؤسسات المقرضة حريصة على ضمان حقوقها بمباشرة الاستقطاع دون انتظار قيام المقترض بالسداد، وبالتالي على المقترض أن يعي تماماً أنّ راتبه هو ما تبقى له بعد استقطاع مبلغ القرض، وعليه أن يكيف حياته والتزاماته على ماتبقى من راتبه، حتى يسلم من التعثر، لافتاً إلى أنّ اللائحة الجديدة لنظام الاقتراض سوف تسهم في الحد من تجاوزات البنوك في احتساب معدلات مرتفعة للمرابحة، إضافةً إلى الشفافية العالية في اللائحة التي مكنت المقترض من اختيار العرض الأفضل للتمويل بأقل مرابحة، منوهاً باستفادة البنوك والجهات الممولة من القروض، بخلاف الفوائد المالية المتحققة من القرض نتيجة دورة المال وتشغيل العوائد، ولو عزف المقترضون عن الاقتراض فسوف تنهار تلك المؤسسات. وأشار إلى أنّ سعر الفائدة انخفض عالمياً إلى الصفر، حيث قدمت بنوك عالمية قروضاً دون فوائد، مستفيدين من الرسوم الإدارية فقط، بينما لا زالت البنوك هنا تقدم القروض طويلة الأمد بفوائد مرتفعة، لافتاً إلى أنّ حدوث هزة أو تعثر لدى أصحاب القروض طويلة الأمد من شأنه أن يحدث خللاً في تركيبة المجتمع وعدالة توزيع الإنتاج، مطالباً المتقدمين على القروض الطويلة أن يدرسوا إمكاناتهم، ويوازنوا بينها وبين فائدة القرض، مشدداً على أهمية أن يكون القرض مبنياً على أسس اقتصادية، منوهاً بغلبة العاطفة في قرارات بعض المقترضين واستجابتهم لرغبات آنية سرعان ما يكتشفون الخطأ الذي وقعوا فيه، ولكن بعد فوات الأوان!. أخطار هامشية وقلل "طلعت حافظ" -الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالمصارف السعودية- من تأثير القروض طويلة الأمد على المقترضين، مبيّناً أنّ نسبة التعثر لدى المقترضين بسيطة جداً، منوهاً بأنّ غالبية تلك القروض استثمارية، وهي تمثل الجزء الأكبر من القروض التي تقدمها البنوك، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ نسب المرابحة التي تقدمها البنوك الوطنية هي الأقل على مستوى دول المنطقة، معتبراً أنّ نسبة المقترضين قياساً إلى الناتج المحلي في حدودها الدنيا. وأشار إلى الضوابط التي أقرتها مؤسسة النقد، وصدور اللائحة الجديدة للقروض التي ألزمت البنوك باحتساب فائدة تناقصية على القروض، متوقعاً أن تكون القروض أقل فائدة قياساً على ماكان يعمل به في السابق، لافتاً إلى أنّ المقترضين قروضاً طويلة يتم التأكد من ملاءتهم المالية وقدرتهم على الالتزام بالسداد؛ لأنّ البنوك ستتضرر أيضاً لو تعثر المقترض، أو واجه صعوبات مالية تقف دون الوفاء بالتزاماته المالية، مطالباً أن يكون المقترض أكثر وعياً وإدراكاً لمتطلباته الأسرية والحياتية، حتى لا يعاني من أي ضائقة. ينتظر المستفيدون تحديد نسبة المرابحة في تمويل قروض الإسكان تحديداً انتشار ملصقات سداد الديون دليل على زيادة أعداد المقترضين