كثرت شكوى زميلة ابنتي من أمها.. تصورها قاسية لا ترحم.. وأنانية لا تحب إلا نفسها.. تذمرها منها لا يتوقف.. ورأيها فيها يزداد قسوة.. رحمت حال الأم.. وتعاطفت مع البنت.. هاتفتها في محاولة مني لنصحها وسألتها.. لماذا يا ابنتي تحكمين على أمك بهذا الحكم؟ أوَ طاوعكِ قلبكِ؟ ردت.. أمي يا خالة لا تحبنا.. أمي لا تحب إلا نفسها وتقضي جل أوقاتها فيما يسعدها هي فقط.. تخرج من البيت دائماً.. تحضر المناسبات.. وتتبادل مع رفيقاتها الزيارات.. تجوب بكثرة الأسواق.. لاهثة خلف عالم الموضات.. وتلاحق في كل مكان التخفيضات.. ليس لنا منها إلا الفائض من وقتها.. والنادر من اهتماماتها أمي قاسية.. ما أغدقت علينا حنانها كبقية الأمهات.. ولا داعبت صغيرنا بذاك العطف الذي نقرأ عنه في الكتب والمجلات.. فلربما مات الشعور عند أمي.. واضمحلت أحاسيسها.. سكتت الفتاة برهة ثم أردفت..إنني يا خالة أتحسرعلى حالنا.. وأِشعر بالغيرة ممن تتحدث عن أمها التي تختلف كثيراً عن أمنا.. ثم توقفت عن الحديث.. لا أدري هل انتهى كلامها أو خنقتها عبرات ألجمتها عن الكلام.. لكن كلماتها الأليمة.. الثائرة كثورة براكين.. قطعت قلبي.. ودمرت كياني.. لم أكن أعلم أحبتي.. أن هناك أحداً يشك في حب الأم.. ومِن مَن؟ من فلذة كبدها التي طالما نعمت بعطفها.. واستدفأت بحنانها.. منذ كانت جنيناً بين أحشائها.. لم أكن أعلم.. أن هناك من الأبناء من يُخطئ أمه.. ويحكم عليها بكل تلك القسوة.. ويا رب عفوك، قلت لها اسمعي يا ابنتي.. إن حب الأم لأبنائها أصدق حب.. وأقوى عاطفة على الإطلاق.. وإن رأيتِها تحب بعض الأشياء التي ذكرتها.. أو حتى كلها.. فهذا لا ينفي أبداً حبها لكم.. لكنها يجب أن تعطي نفسها حقها من الاهتمام وإن قلتِ خروجها للزيارات والمناسبات وغيرها مما ذكرتِ.. فاعلمي يا ابنتي أنها تقضي بذلك حاجاتكم.. وتؤدي واجبات ملقاة على عاتقها.. هي تخرج وقلبها معلق بينكم.. قد شغلتم كل تفكيرها.. تذكري يا ابنتي.. كم اتصالٍ يردكم منها لتسأل عنكم.. وتطمئن على أحوالكم كلما خرجت.. ثم يا ابنتي.. ما المانع أن تخرج في بعض من المرات.. للترفيه عن نفسها؟ وأيضاً حبيبتي.. لا تكثري مقارنة أمكِ بغيرها من الأمهات.. فالناس عامة يختلفون في قدراتهم.. وطرق تفكيرهم واهتماماتهم.. حتى وإن كانت مخطئة في نظرك.. ألا تعفين عنها يا ابنتي وتعذرينها؟.. وإني لأجزم.. بأن ذلك الخطأ كان بغير قصد منها.. أو هو بسبب سوء تقديرها للأمور.. فلا تنتظري منها الكمال دائماً.. ولا تتطلعي إلى عطاءٍ منها أكثر مما تستطيعه.. لكنها وبدون شك تضحي كثيراً.. ولا تدخر شيئاً في وسعها من أجل إسعادكم.. أمكِ يا ابنتي.. تنام وتصحو وأنتم بين أهداب عينيها.. لا ترى من الدنيا صورة أجمل من صوركم.. أمكِ.. غرستكم في قاع روحها.. وأغلقت عليكم في سويداء قلبها.. أمكِ.. لا تسمع من ضجيج الدنيا وصخبها.. إلا أنغامكم وأنتم تناجونها.. ولا تعرف للسعادة طعماً إلا ما اندمج منها في سعادتكم بالله عليك يا ابنتي اذهبي الآن.. والآن.. وقبلي قدميها قبل يديها.. اعتذري لها بكل كلمات التأسف والاعتذار.. وقولي لها كل عبارات الشكر والعرفان.. واحمدي الله كثيراً.. على وجودها بقربك.. فهناك من يتمنى قرب أمه.. ولو ساعة.. رحم الله أحوالهم.. ابنتي.. لا تنسي أبداً قوله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) فالوالدان المشركان اللذان يأمران ولدهما بالشرك ويجاهدانه عليه.. يُصاحبان بالمعروف.. فكيف بالوالدين المسلمين مهما كان سوء أخلاقهما.. أو تقصير رأيتموه منهما؟ أصلح الله لنا ولكم الذرية ورزقنا برهم..