عندما تشاهد رجل الأمن بلباسه المميز في الطريق أو أحد الأسواق سيبث في نفسك حتماً الطمأنينة ويشعرك بالأمان.. ومشاهدتك لهم ليس وليد اللحظة، بل أنت تراهم في كل وقت وحين؛ فلا يشد انتباهك وجودهم فقد تعودت على ذلك، ولكن على النقيض تماماً كان حال الناس في بداية تأسيس المملكة وقبل توحيدها فقد كان الناس لا يعرفون رجال الأمن، إلاّ من خلال صفات ليست هي الصفات التي عليها رجال الأمن اليوم بلباسهم المميز، بل بلباس متواضع، وهو ثوب أبيض وعمامة يتربع عليها العقال وبوسطه حزام متدلٍ من كتفيه متضارب يلتف حول خصره وبه بعض الطلقات النارية ومسدس، أو تجد الرجل يحمل بندقيته معلقة على كتفه وهي تتدلى خلفه ورأسها إلى الأعلى. نتذكر البدايات الصعبة قبل إعلان توحيد البلاد؛ لنحمدالله على ما نعيشه اليوم من أمن واستقرار وأول ما عرف الناس رجال الأمن كانوا من خلال ما يسمى ب"الهجانة" الذين لهم مهام محددة، وهي حفظ الأمن وأول عمل هؤلاء كان في مكةالمكرمة ومدن الحجاز، كما كان كل أمير بلدة لديه رجال تكون مهامهم حفظ الأمن ومتابعة أحوال الناس من خلال عملهم لدى أولئك الأمراء، وتحت مسمى "الاخوياء"، حيث كانت تسند ل"الخوي" مهام عديدة من أهمها متابعة استتباب الأمن في البلدان التي لم يكن بها مراكز للشرط قديماً وتحت إشراف أمير البلدة نفسه. اهتمام المؤسس يمثّل الأمن قوام الحياة؛ فإذا انعدم الأمن انعدمت الحياة .. لذا كان من أوائل اهتمام المؤسس الراحل جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بعد توحيد هذه البلاد العمل على استتباب الأمن، وذلك من خلال متابعته الدقيقة لكل أحوال الرعية، حيث كان مرجعاً لكل قضية تحصل في أي مكان في البلاد، ويوجه جلالته أمراء المناطق بحل إشكالياتها بعد أن ينير لهم الدرب بتوجيهاته لهم، وكثيراً ما يقع ناظرنا على العديد من الوثائق من جلالته في هذا الشأن، حيث تعهد مهمة استتباب الأمن في البلدان التي لم يكن بها مركز للشرطة إلى أمير البلدة الذي يكون لديه عدد من الموظفين تحت مسمى "الاخويا"، ومفردهم خوي، وهو بمثابة رجل أمن يكلفه أمير البلدة بإحضار من يكون عليه خصومة أو عليه جرم، كما أنهم يطبقون الحد عليه إن صدر عليه حكم شرعي، ويتولون سجن من عليه قضية، وعلى العموم فقد كانت وظيفة الخوي وظيفة مرموقة بين الناس بهيبته وسلطته التي يستمدها من مرجعه. الهجّانة عند الحديث عن الأمن وبداية تأسيس الشرطة لابد أن نشير إلى أن نظام الشرط قد سبقه نظام "الهجانة"، وهي نواة لتأسيس الشرطة، حيث كانت الهجانة تحفظ الأمن واستتبابه، وأول مقر ل"الهجانة" كان في قصر السقاف -الذي يقع في مكةالمكرمة بحيّ المعابدة (الجميزة) شارع الأبطح وهو من أقدم المباني الاثرية-، وكان لباس الهجانة في بداية تأسيسها في العام هو الثوب والشماغ والعقال وحزام في الوسط به الذخيرة وسلاح مغلق على كتف الهجان، ولعل تسمية الهجانة جاءت من ركوبهم للهجن خلال تنقلهم من مكان الى آخر أثناء تأدية عملهم. ومن أشهر من عمل في الهجانة في قصر السقاف، هم: الشيخ علي بن عقاب الثعلي العضياني الذي كان يعمل (حارساً) للملك عبدالعزيز ومحمد بن عبدالعزيز بن ضويحي الذي كان ضمن الشرطة النظامية بمكةالمكرمة كرئيس لمجموعة الهجانه، ومحسون بن حسين أفندي، والمهندس علي الحكاري، وعبدالله العمري، وعبدالعزيز بن حمد بن دايل الذي عمل كرئيس الحرس بقصر السقاف، وكانت حياته مليئة بمحطات الوفاء والتضحية والولاء والإخلاص، حيث عين أحد هجانه الملك عبدالعزيز في قصر السقاف براتب و قدره 225 قرشاً، ثم زاده 50 قرشاً حينما عين رئيساً للحرس في قصر السقاف، وزياد يوسف وغيرهم الكثير. وقد بدأت نواة تشكيل قوات الهجانة كقطاع عسكري عام 1344ه؛ مما ورثه السلطان عبدالعزيز من تشكيلات سابقة مضيفاً إليها بعضاً من الفرق التي بقيت في الحجاز بعد تسريح المقاتلين عندما انتهت الحرب هناك، ووزعت هذه الفرق على المدن الرئيسة في الحجاز، فخصص ألفان منها لمكةالمكرمة، وقسمت الوحدات إلى سرايا يتكون أفراد كل مجموعة من مدينة أو قبيلة واحدة، عليها رئيس منها. ونص نظام الهجانة عام 1927م على أن ترابط وحدات منها في الأماكن التي تحدد لها، وعدم مغادرتها إلاّ بإذن من النيابة العامة، وكانت وحدات من الهجانة تشرف على مدافع ورشاشات قلعتي جياد وفلفل في مكةالمكرمة، وبعد أن تم تشكيل القوات النظامية والشرطة في مدن الحجاز الرئيسة، وزعت سرايا الهجانة على معظم قرى الساحل الغربي للمملكة، وربطت كل وحدة بالحاكم الإداري في المنطقة التي تعمل فيها، وإذا تم تعيين أمير على منطقة معينة فإنه يصطحب معه عدداً من جنود الهجانة المتمركزين في مكةالمكرمة أخويا للأمير، وبقيت قوات الهجانة من دون قيادة موحدة إلى أن صدر مرسوم توحيد القطاعات العسكرية عام 1350ه، فوحدت جميع قطاعات عسكر الهجانة في المملكة تحت رئاسة قائد عام مقر قيادته في مكةالمكرمة، ثم أعيد تشكيل الهجانة من ثماني وحدات وعين محمد بن إبراهيم بن سلطان قائداً عاما لها في 1352ه، وتبعته مراكز الهجانة في كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورةوجدة والطائف والوجه والعلا وأملج وتبوك والدوادمي وضبا والمويه، وألحقت به وحدة هجانة أبها التي تشكلت عام 1352ه، وبعد أن توسعت تشكيلات القوات النظامية والشرطة وخفر السواحل وباشرت هذه الأجهزة مهامها التي كانت الهجانة تقوم بجزء منها، قرر مجلس الوكلاء إلغاء تشكيلات الهجانة اعتباراً من نهاية صفر 1354ه، ووزعت وحداتها على القطاعات العسكرية، فألحق ستمائة هجان بالشرطة وأربعمائة ضموا إلى الجيش، وأضيف أربعمائة وسبعون خوياً للأمراء في الملحقات، أما الباقون فأعيد تشكيلهم تحت مسمى ألوية الجهاد، وبذلك انتهت تشكيلات الهجانة. ألوية المجاهدين تشكلت ألوية المجاهدين عام 1943م من بعض وحدات الهجانة التي ألغيت، وأوكل إلى مكتب أهل الجهاد الإشراف عليها، وأصبح اسمه "مكتب أهل الجهاد والمجاهدين"، وبقي هذا المكتب على ارتباطه بالديوان الملكي الذي تولى الإشراف على شؤون المجاهدين وتوزيعهم، وصرف مرتباتهم، وتنظيم وحداتهم وترتيب وظائفهم وسجلات أسلحتهم. وكان في الديوان الملكي مكتب يدعى (مكتب أهل الجهاد) ينظم عمليات استدعاء المقاتلين، ويحدد أماكن وجودهم ونوع السلاح المسلم لهم، وتحولت فرق المجاهدين إلى قوة احتياطية تقوم بأعمال ثانوية مثل حراسة المنشأة خارج المدن وغيرها؛ نظراً لقيام تشكيلات الجيش والأمن العام بمباشرة معظم الأعمال القتالية والأمنية التي كانت فرق المجاهدين تقوم بها، فأسند إلى البعض منهم مهام الدوريات على الحدود والاشتراك في تنظيم أعمال الحج والعمل في مراكز الإمارات الفرعية وبقيت ألوية المجاهدين إلى أن تشكّل الحرس الوطني عام 1954م فقد كانت نواته من ألوية المجاهدين وبقي جزء منهم يتبع مكتب أهل الجهاد الذي استمر على ارتباطه بالديوان الملكي إلى أن ألحق بوزارة الداخلية في عام 1383ه تحت مسمى (إدارة المجاهدين العامة) وتشرف هذه الإدارة على ما بقي من المجاهدين في الإمارات والدوريات السرية. مديرية الشرطة بعد أن استولى الملك عبدالعزيز على بلاد الحجاز سنة 1343ه ولقب (ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها)، وأعلن وحده أراضي المملكة العربية السعودية واستقلالها انصرف إلى قرار الأمن والنظام وفرض هيبة الحكم في البلاد، وكان من جملة الإصلاحات التي استحدثها في هذا المجال بعد أن كان حبل الأمن مختلاً، خاصة في بلاد الحجاز إنشاء مديرية للشرطة في مكةالمكرمة، بالإضافة إلى عدد من مديريات الشرطة في مدن المملكة الرئيسة كالمدينة المنورة والطائف وغيرها. وكانت مديريات الشرطة في الحجاز حينذاك ترتبط بنائب الملك مباشرة (النيابة العامة) وتعمل وفقاً لأوامره وإرشاداته دون أن يكون لها نظام مكتوب على الرغم من أن أعمالها كانت تشمل كافة الشؤون الإدارية والنظامية والجنائية وشئون الجوازات والتحري، وقد تمكنت هذه المديريات بفضل هيبة الحكم التي فرضها الملك عبدالعزيز من إقرار الأمن والنظام في ربوع البلاد، وفي سنة 1349ه صدرت الإرادة عن الملك عبدالعزيز آل سعود إلى نائبه حينذاك الأمير فيصل بتوحيد جميع إدارات الشرطة في المملكة وجعلها تحت رئاسة رئيس واحد يكون مقامه في مكةالمكرمة على أن يجري تبليغ تلك الدوائر بأن مرجعها هو هذا الرئيس الذي أصبح مديراً عاماً للشرطة، كما نصت الإرادة السامية أيضاً على توحيد جميع دوائر العسكرية النظامية وتوحيد جميع قطاعات عسكر الهجانة في المملكة، وعلى أثر صدور تلك الإرادة الملكية أصدر الأمير فيصل بن عبدالعزيز نائب الملك في الحجاز أوامره بتشكيل (مديرية عامة للشرطة) في العاصمة، كما تضمن الأمر المذكور أيضاً تجهيز مشروع نظام خاص لعموم إدارات الشرطة ومعاملاتها وتقديمه بأسرع وقت للمراجع العليا، بالإضافة إلى تحديد بعض واجبات هذه المديرية نحو معاملة موظفيها وتجاه الدوائر الرسمية الأخرى. ملابس عسكرية عند تأسيس الشرطة صاحب ذلك تغيير في الملابس العسكرية، حيث عرف الجنود لبس البدلة والبنطلون واستبدل الشماغ ب"البريهة" ولبس الجزم والحزام، وصار اللبس أكثر ترتيباً وصاحب ذلك انضباطاً في العمل وصار الأمر أكثر تنظيماً مما مضى، وأصبح كل من يلتحق بالعسكرية تجرى له دورات تأهيلية في مراكز الشرط التي يتقدم للعمل لديها تستمر لبضعة أشهر، وصار هناك تدريب، حيث يبدأ الجنود يومهم باصطفاف صباحي منظم، ومع أن معظم الملتحقين قديماً كان ينقصه التعليم خاصة من فئة الجنود، إلاّ أن ذلك لم يمنعهم من الانضباط في العمل والإخلاص واحترام الآخرين الذي يتميز به جنود الأمن إلى يومنا هذا ولله الحمد، وقد تم معالجة ذلك بمنح كل من يحصل على شهادة دراسية أحقية الترقية إلى الرتبة التي تليها وصار له الأفضلية على غيره ممن لم يحصل على شهادة، الأمر الذي أشعل فتيل الحماس بينهم من أجل مواصلة التعليم عن طريق المنازل أو المدارس الليلية ومدارس محو الأمية، كما تم عقد العديد من الدورات التأهيلية داخل المملكة وخارجها أسهمت في تطوير الأداء وتقدمه. مهام متعددة كان الجندي قديماً يؤدي جميع الأعمال التي تضبط الأمن من حفظ أمن الأسواق ومراقبتها والعمل على تسيير السيارات في الطرقات وعمليات التفتيش والمداهمة والقبض على المخالفين للأنظمة والمتسللين والمهربين، إضافة إلى كل ما يسند إليهم من مهام من مرؤسيهم دون أي اعتراض أو تململ، فلم يكن هناك تخصصات في البداية فهم يؤدون جميع الأعمال دون تحديد كأعمال رجال المرور والجوازات والسجون والإسعاف وحرس الحدود والتحري وغيرها؛ مما أكسبهم خبرات واسعة في مجال عملهم وجعل منهم أنموذجاً يحتذى به في الصبر والتفاني في العمل في تلك الحقبة السابقة من الزمن وذلك على الرغم من قلة التدريب. تدريب متقدم مع التقدم الذي شمل جميع نواحي الحياة ومع تواصل التطوير أصبحت الجندية أكثر تطوراً وتنظيماً، حيث استحدثت العديد من الإدارات التي نظمت العمل فصار هناك تخصصات حددت مهام كل جهة، ومن ذلك أقسام للشرطة محددة مهامها والدوريات وأقسام للمرور والجوازات وأمن الطرق والدفاع المدني والسجون وخفر السواحل وسلاح الحدود وغيره، وصارت هناك دورات ومعاهد متخصصة لكل فئة وأصبح العمل أكثر دقة وتنظيماً، وزاد التثقيف وبات يُنتقى للعمل في تلك التخصصات الأمنية المتميزون تعليمياً وجسدياً، وصار هؤلاء الجنود صورة مشرقة لمواطني هذا البلد بتفانيهم في أعمالهم وأدائها بكل أمانة وإخلاص وتعاملهم الراقي مع الغير الذي يعكس اهتمام القيادة بكل ما فيه أمن هذه البلاد واستقرارها. بدايات عمل المجاهدين في مدينة الرياض وتحديداً في المرقب عام 1369ه سوق القيصرية في الهفوف ويظهر في الصورة شرطي المرور في أوائل دخول السيارة عام 1953م باب الجمارك في مدينة ينبع حيث يظهر الهجانة للحفاظ على الأمن عام 1917 بدايات عمل الشرطة في منتصف الثمانينات الهجرية رجال الأمن اليوم على كفاءة عالية من التدريب جاهزية تامة لرجال الأمن لمواجهة أي طارئ