انحاز مجلس الأمن الدولي - كعادته - أمس للاحتلال الإسرائيلي، وأسقط مشروع القرار العربي - الفلسطيني، بعدما أعلنت الولاياتالمتحدة مسبقاً رفضها القاطع له، ومارست ضغوطاً شديدة على الدول الأعضاء، ليحصل المشروع على تأييد ثماني دول مقابل اثنتين صوتتا ضده وخمس امتنعت عن التصويت، بينما كان إقراره بحاجة الى تسعة أصوات. واللافت أن بريطانيا المسؤولة تاريخياً عن تشريد الشعب الفلسطيني لصالح عصابات الإرهاب الصهيونية، اختارت الإمتناع عن التصويت. وبحسب مصادر دبلوماسية فإن نيجيريا (العضو بمنظمة التعاون الإسلامي) التي كان من المفترض أن تصوت الى جانب القرار تراجعت في اللحظة الأخيرة واختارت الامتناع عن التصويت، إذعاناً للضغط الأميركي. عباس يوقع على انضمام فلسطين إلى «معاهدة روما» تمهيداً لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين ومن أصل الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة وحق النقض في المجلس، حصل مشروع القرار على تأييد ثلاث منها هي فرنسا والصين وروسيا، في حين صوتت ضده الولاياتالمتحدة التي أعلنت مسبقاً أنها ستستخدم الفيتو اذا اقتضى الامر لمنع صدوره. وصوتت ضد مشروع القرار اضافة الى الولاياتالمتحدةاستراليا، وكلاهما حليف وثيق لدولة الإحتلال الإسرائيلية. اما الدول الخمس الأخرى التي أيدت مشروع القرار فهي الأردن والأرجنتين وتشيلي وتشاد ولوكسمبورغ، في حين أن الدول الأربع التي انضمت الى بريطانيا في الإمتناع عن التصويت هي ليتوانيا وكوريا الجنوبية ورواندا ونيجيريا. وبعدم حصول النص على الأصوات التسعة اللازمة لاقراره لم تضطر الولاياتالمتحدة لاستخدام حق النقض لاحباط تمريره، وهي خطوة كانت في حال أقدمت عليها ستثير غضب الدول العربية المتحالفة معها في الحرب التي تقودها ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في كل من سورية والعراق. وينص مشروع القرار الذي قدمه الاردن باسم المجموعة العربية في الأممالمتحدة على التوصل خلال سنة الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين ودولة الإحتلال المغتصبة لأرضهم، كما ينص على انسحاب اسرائيلي كامل من الاراضي المحتلة قبل نهاية العام 2017. وقالت السفيرة الاميركية في الاممالمتحدة سامنتا باورز ان "هذا القرار يعزز الانقسامات وليس التوصل لتسوية"، مضيفة ان "هذا النص لا يعالج الا مخاوف طرف واحد فقط".-على حد تعبيرها- ودافعت باورز عن الموقف الأميركي الذي فشل على مدى سنوات طويلة من رعايته المفاوضات في الضغط على المحتل الإسرائيلي، قائلة أنه يشجع على اجراء محادثات مباشرة بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، معتبرة ان "السلام يأتي ثمرة خيارات وتسويات صعبة يتم التوصل اليها على طاولة المفاوضات". وكان المتحدث باسم الخارجية الاميركية جيفري راثكي قال يومي الاثنين والثلاثاء ان "مخاوفنا متعددة. هناك التحفظ على الجدول الزمني الذي يضع مهلا عشوائية الامر الذي لن يساعد على انجاح المفاوضات"، اضافة الى تحفظات حول "الحاجات المشروعة لاسرائيل في المجال الامني". وتابع المتحدث الاميركي "لقد تم الامر بتسرع، لذلك لن ندعم هذا النص، اكان بسبب مضمونه او الجدول الزمني الذي يتضمنه". وكان الفلسطينيون ادخلوا الاثنين تعديلات على مشروع القرار وطالبوا بعرضه هذا الاسبوع على مجلس الامن للتصويت عليه. وقدمت المجموعة العربية في الاممالمتحدة الاثنين دعمها لمشروع القرار الفلسطيني المعدل. وتضمنت التعديلات الاشارة الى القدسالشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، وتسوية مسألة الاسرى الفلسطينيين، ووقف الاستيطان الاسرائيلي والتاكيد على عدم شرعية جدار الفصل. وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري اجرى اتصالات هاتفية مكثفة خلال الساعات ال48 الماضية مع مسؤولين في 12 بلداً اضافة الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بحسب المتحدث باسم وزارته. وقال السفير البريطاني لدى الأممالمتحدة مارك ليال غرانت ان بلاده لا تدعم مشروع القرار الفلسطيني لتضمنه "اشارات الى المهل الزمنية وتعابير جديدة حول اللاجئين". اما السفير الفرنسي فرانسوا ديلاتر الذي صوت الى جانب القرار فأعرب في كلمة امام مجلس الامن عن خيبة امله لعدم نجاح الجهود التي بذلت للتفاوض على نص يتوافق حوله اعضاء المجلس، مؤكدا ان بلاده صوتت لصالح مشروع القرار الفلسطيني "مدفوعة بالحاجة الملحة الى التحرك". واضاف ديلاتر "لكن جهودنا لا يجب ان تتوقف هنا. ان مسؤوليتنا هي ان نحاول اكثر قبل ان يفوت الاوان". من جهته، اتهم السفير الفلسطيني في الاممالمتحدة رياض منصور مجلس الامن بعدم تحمل مسؤولياته واعدا بالسعي عبر طرق اخرى للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية. وقال منصور امام المجلس ان "الفلسطينيين والعالم لا يمكنهم ان ينتظروا اكثر. هذه الرسالة واضحة كل الوضوح، رغم النتيجة المؤسفة اليوم". وكان الفلسطينيون اعلنوا انه اذا لم تنجح مبادرتهم في مجلس الامن فسينضمون الى سلسلة من المعاهدات والهيئات الدولية بينها خصوصا المحكمة الجنائية الدولية وذلك لملاحقة (اسرائيل) بتهم ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. وحصل الفلسطينيون في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 على صفة دولة مراقب غير عضو في الاممالمتحدة ما يمنحهم الحق بالانضمام الى سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية من بينها معاهدة روما التي انشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية. بالمقابل اكتفى ممثل اسرائيل بالقاء كلمة مقتضبة امام مجلس الامن من اربع جمل. وقال اسرائيل نيتزان "لدي انباء للفلسطينيين: لا يمكنكم ان تصلوا الى دولة عن طريق الانفعال والاستفزاز". واضاف "أحض المجلس على التوقف عن لعب لعبة الفلسطينيين وإنهاء مسيرتهم نحو الجنون".-على حد تعبير العنصري نيتزان- وفي رد فعل من بروكسل قالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني ان نتيجة التصويت في مجلس الامن تؤكد "مرة جديدة ضرورة ان تستأنف بشكل عاجل مفاوضات حقيقية بين الاطراف وكذلك ضرورة ان يركز المجتمع الدولي جهوده على تحقيق نتائج ملموسة" للتوصل الى اتفاق نهائي. واضافت في بيان ان الهدف المشترك هو التوصل الى اتفاق سلام شامل يرتكز الى مبدأ وجود دولتين "تعيشان جنبا الى جنب بسلام وأمن وتعترف كل منهما بالأخرى". ■■ الفلسطينيون يردون في رام الله، أعلن أن الرئيس محمود عباس سيوقّع في اجتماع طارئ للقيادة الفلسطينية، طلب انضمام الفلسطينيين الى المحكمة الجنائية الدولية و15 اتفاقية دولية أخرى رداً على رفض مشروع القرار في مجلس الامن الدولي. وسيوقع عباس طلب الانضمام الى معاهدة روما التي سيصبح بموجبها الفلسطينيون عضواً في محكمة لاهاي بالاضافة الى 15 اتفاقية دولية أخرى. وسيتمكن الفلسطينيون عند انضمامهم الى المحكمة الجنائية من ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في قطاع غزة التي شنت (اسرائيل) عليها ثلاث حروب مدمرة في ستة أعوام.