متى جاء اسم بلادنا قبل بلدان متقدمة كفرنسا واليابان خاصة في المجالات العلمية والأبحاث الطبية؟، قد لا نحتاج لنبش الذاكرة فالإجابة محسومة سلفا، وكلنا يعرفها. لكن.. وقبل أيام قليلة فقط فازت المملكة بجائزة الإبداع في القسطرة القلبية لعام 2014م، وذلك في مؤتمر الخليج الرابع للقسطرة القلبية والذي عقد مؤخرا في مدينة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة، حيث حققت الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني ممثلة بالأستاذ المشارك في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية استشاري أول القلب والقسطرة في مركز الملك عبدالعزيز لطب وجراحة القلب البروفيسور محمد بلغيث البارقي المركز الأول في الإبداع في قسطرة القلب من بين أكثر من 50 ورقة عمل قدمت من جميع أنحاء العالم، فيما جاءت فرنسا في المرتبة الثانية، واليابان في المرتبة الثالثة، وقد تمثلت ورقة الدكتور بلغيث حول انجاز طبي تمثل في تركيب حلزون معدني حول صمام اورطي قديم يهرب من الداخل والخارج بتركيب صمام جديد داخل الصمام القديم عن طريق القسطرة من خلال فريق طبي سعودي بقيادة الدكتور بلغيث وعضوية كل من الدكتور هاني نجم استشاري جراحة القلب والدكتور عمر التميمي استشاري طب الاطفال والدكتور عمرو بنان استشاري القلب والدكتور احمد العريفي استشاري القلب والدكتور عبدالمحسن الحربي استشاري تخدير القلب وطاقم من الممرضين والفنيين السعوديين، وتعد هذه العملية الأولى من نوعها على مستوى العالم والتي تُستخدم فيها هذه التقنية المتقدمة. قناتا الاخبارية والعربية - فيما أعلم - أعطتا هذا الإنجاز ما لا يزيد على دقيقتين، وتناقلته الصحف كخبر مقتضب في صفحاتها الداخلية كأي خبر آخر رغم أهميته ليس على مستوى الفريق الذي حقق هذا الانجاز وإنما على مستوى الوطن، وكنت ولا زلت أعتقد أن واجب الأمانة العلمية والمسؤولية البحثية يقتضي من جامعاتنا التي اتسعتْ مسارحها ومدرجاتها لبرامج تقيم حلقات جماهيرية تناقش قضايا كرة القدم، مع احترامي لمثل هذه الأنشطة، والتأكيد على أهميتها، أن تلتفت إلى هذا الإنجاز الكبير لتقدم هذا الفريق الطبي النابغ لطلابها في كليات الطب، لصناعة القدوة، وكسر حاجز عقدة العقل الأجنبي، لترسخ في الأذهان قدرة شبابنا على صناعة التفوق حتى في أدق التخصصات الطبية متى ما توفرت لهم أدواته، وتوفرت الإرادة للمضي قدما في ميادين البحث، عوضا عن التوقف عند استهلاك وتطبيق ما يُنجزه الآخرون. وهذا لن يتحقق بالصورة التي نتمناها لبلادنا طالما أننا نتعامل مع نجاحات بهذا الحجم مثلما نتعامل مع أي خبر عابر كما لو أنه مجرد خبر عادي كحصول أحدهم على شهادة تقدير أو درع تكريم من حديد التنك من تلك التي تنفق بلا حساب من باب المجاملات وتطييب الخواطر في كثير من المناسبات. ولستُ في وارد مناقشة أثر ذلك التجاهل أو شبه التجاهل على الفريق الذي حقق هذا الإنجاز، والذي لا أشك في أنه كان ينتظر رد فعل يوازي ما حققه، خاصة وأنه يتجاوز دولا لها اليد الطولى في الميدان الطبي، ويتقاطر المرضى إليها من كل دول العالم، بحثا عما يعتقدون أنه لا يُمكن أن يتوفر في سواها، وإنما أريد فقط أن أركز على عنصر إيقاظ القدوة الذي لا نزال نفتقد إليه، أو نتعامل معه للأسف بشيء من اللامبالاة، رغم أنه هو المحفز الأول في صناعة التفوق بشهادة الكثيرين من أساطين البحث العلمي، ممن قادتهم الغيرة العلمية لتكريس جهودهم وفكرهم للمزيد من البحث وصولا إلى ما قدموه من إنجازات علمية هائلة لبلدانهم وللإنسانية كافة. إنجاز الدكتور بلغيث وفريقه، ليس هو الإنجاز الوحيد الذي يغيب عن أروقة الجامعات، لكني أستخدمه هنا كنموذج فقط لإفراط تلك الجامعات في البحث عما هو جماهيري على حساب مسؤولياتها في رعاية ودعم وتشجيع البحث العلمي والحفاوة به.