لا مراء أن الجهاد المزُيف يعود الآن في صورة مشوهة ومسيئة للدين الإسلامي، يحمل وزره إلى يوم القيامة ما يسمى بداعش. هذه الجماعة لا تتقن من فنون الحياة إلاّ فنًا واحدًا وهو: التلاعب بالخوف والتخطيط لنشره عن طريق جز رقاب المسلمين على مشهد من الناس. الخوف هو الذي يُرهب المعارضين لداعش والمحاربين لها من المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء في العراق وسورية. والخوف أيضا هو الذي يوحد أعضاء جماعة داعش من الانسحاب منها، ويوحد أيضا مجموعات تكفيرية، وما أكثرهم على الساحة الآن، أولئك الجماعات يُكفر بعضهم بعضا، وكانوا معارضين لداعش، ولكنهم انضموا لداعش خوفًا وطمعًا. ولا أطن أن أغلبهم التحق بتلك الجماعة الإرهابية إيمانًا واعتقادًا بمسلكها الظاهري. لا أصدق أن كل أعضاء داعش على خط متساو من الإيمان بفكرة داعش الدينية التكفيرية. ومع هذا فقد استقطبت آلاف المسلمين من أهل السنة في العراق وسورية وغيرهما. جهاد داعش جهاد مزيف لا علاقة له بالدين، وأن النجاحات التي حققتها على الأرض لا تعود لقدرة هذا التنظيم نفسه، ولكنها تعود لأخطاء حكومة المالكي السابقة، والحكومة الأمريكية، والتغلغل الإيراني في العراق وسورية تحت مسميات متعددة منها المليشيات الشيعية ولنضرب مثالاً واحداً يخص بعضوية داعش من العراقيين السنة المدنيين والعسكريين. هؤلاء لم يقبلوا بعضوية داعش إلاّ لأن الخوف يحيط بهم أينما يمموا. فمن جهة تُشكل داعش لهم ولأسرهم أكبر مصدر خوف حقيقي، ثم المليشيات الشيعية المتشددة في العراق تهددهم ليل نهار، ثم الجيش العراقي بقيادة نوري المالكي يتوعدهم، وفي حالات كثيرة يتخلى عنهم ويتركهم لقدرهم مع داعش. بل إن حكومة المالكي السابقة قصفت بالطائرات أحياء سنية في الموصل لا يقطنها إلاّ مدنيون. وكانت الحجة آنذاك أن الطائرات استهدفت منازل يقيم فيها محاربون من داعش. في العراق يظهر أن الكل ضد الكل. والسؤال لماذا؟! والجواب أن الظاهر يبدو كما يتكرر في وسائل الإعلام أن الكل ضد الكل، لكن الباطن يقول إن الكل ضد المدنيين العراقيين السنة الذين يواجهون حكومة المالكي السابقة، ويواجهون جماعات جهادية وتكفيرية مثل داعش وغيرها من المليشيات الشيعية. ويواجهون قصف الطائرات الأمريكية التي كثيرًا ما تخطئ في الحسابات السياسية عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي - الإيراني حول العراق وسورية. أنا هنا لا أميل إلى رفع النبرة الطائفية، بل على العكس أميل إلى دفن النبرات والتوجهات المذهبية والطائفية إلى الأبد، لكن ما الحيلة إذا كان هذا هو الواقع المعاش في العراق. لا يخالجني أدنى شك أن كثيراً من العراقيين وخصوصًا العسكريين من حكومة صدام حسين ما انضموا لداعش إلاّ لأنهم وجدوا هذا الصنيع أهون الشرين. وأرجو ألاّ يكون خيارهم كالهارب من الرمضاء إلى النار. ومثال آخر ذهبت القوات العراقية بأمر من نوري المالكي إلى قرية آمرلي، وهي من قرى شيعية، يحيط بها عشرات من القرى السنية. ورغم أن آمرلي لم تخضع لسيطرة داعش، إلاّ أن القوات الحكومية العراقية هاجمت القرى السنية وقتلت المئات من المدنيين العراقيين بغطاء جوي من النار قامت به الطائرات الأمريكية بحجة قصف تجمعات داعش. والشيء نفسه يُقال عن سورية حيث هرب الكثير من الجنود السوريين السنة من الجيش الحكومي وانضموا إلى داعش التي أحرزت انتصارات كبيرة، خصوصًا استيلاءها على عشرات من القرى السنية حول حلب. فجاءت الطائرات الأمريكية لتقصف مواقع داعش. وحصل الخطأ المتكرر حيث قصفت مئات المدنيين السنة في القرى حول حلب. هذا الصنيع ولّد شعورًا من الغضب لدى أهل السنة السوريين مفاده أنهم يواجهون الجيش النظامي السوري من جهة، ويواجهون الطائرات الأمريكية من جهة أخرى. فكان الخيار عندهم هو الانضمام لعضوية داعش لا حبًا فيها، ولكن لأنها عدوة الفريقين. بمعنى آخر كان خيارهم محدودًا جدًا. جهاد داعش جهاد مزيف لا علاقة له بالدين، وأن النجاحات التي حققتها على الأرض لا تعود لقدرة هذا التنظيم نفسه، ولكنها تعود لأخطاء حكومة المالكي السابقة، والحكومة الأمريكية، والتغلغل الإيراني في العراق وسورية تحت مسميات متعددة منها المليشيات الشيعية. استراتيجية داعش تقوم كما قال أحدهم أنها تشبه: تحرك الأفعى بين الصخور. الواقع يقول إن الضربات الجوية الغربية ستحقق إصابات بالغة في صفوف مقاتلي داعش، وسيموت مع القصف عدد من المدنيين لا شك في ذلك. ولو رجعنا للحرب على أفغانستان لوجدنا الدرس التاريخي الواضح الذي لم يتعلمه الغرب وهو: انه كلما زادت الضربات الجوية الأمريكية، بلغ تأييد الأفغان للغرب أدنى مستواه، ويزداد معه تأييد طالبان والقاعدة. وهذا ما حدث ويحدث في العراق وسورية، فمع زيادة الطلعات الجوية الضارية، يزداد عدد المدنيين الملتحقين بداعش. جماهيرية داعش لا تعبر عن إيمان بها، بل هو خيار من لا خيار له.