تابعنا في حلقة سابقة قصة أحد الهنود الذين قاموا بإنشاء مزرعة في الطائف جلب لها عجلة ماء حديثة وفق النموذج المعمول به في بلاده حيث لفتت نظر المستشرق والطبيب الفرنسي موريس تايميزييه سنة 1834 م كأول حديقة تنشأ على هذه الطريقة بالطائف حينما اقترح عليه أن يعمل على تزييت العجلة لتجنيبها تلف الاحتكاك وإخفاء صوتها المزعج فبين له أنه قد تعمد الإبقاء على الصوت باعتباره خير وسيلة لمراقبة العمال متى تشتغل ومتى تتوقف حتى ينهال عليهم ضربا بالسياط عند انشغالهم عن العمل وتوقفنا عند قوله : كنت لا أزال تحت رحمة هذه الأفكار والتأملات العميقة عند ما لاحظت صاحبي الهندي ينهض فجأة وكانت ملامحه تنم عن علامات واضحة من الرعب ولقد كنت في شك من إيجاد تفسير لهذا التغير المفاجئ عند ما سمعته فجأة يصرخ بكل قوة قائلا: الله الله ادفعوا عنا هذا البلاء الذي يهددنا واقذفوا به في اتجاه الوثنيين ولعله يقصد بالوثنيين بعض الأوربيين الذين كانوا يمرون بالطائف . هنا يسترسل تايميزييه ضمن كتابه (رحلة في بلاد العرب – الحجاز ) : ولقد كنت على وشك ان أقوم بتلبية استغاثته عند ما جذبني بيده قائلا : انظر إلى اعلي باتجاه الأفق الشرقي . فحدقت إلى أعلى في ذلك الاتجاه حيث علمت أن خط الأفق ما زال بعيدا عن ان تمس زرقته شيئا كالعادة , وفي هذه اللحظة قام بتوجيه عماله ليقوموا بالبحث عن كل المعدات والأدوات اللازمة لإشعال النار وتلك الخاصة بالطبخ والتي تكون موجودة بمنزله ( مثل هذه الاواني كانوا يضربون عليها بقوة لطرد الجراد ) وقد انطلق هؤلاء الرجال مغادرين بأقصى سرعة تحملهم بها أرجلهم وبينما كانوا في طريقهم على هذه الحالة طلبت من الهندي أن يقوم بإطلاعي على السبب الحقيقي لخوفه فأجابني قائلا : ذلك واضح للغاية حيث إنك قد ولدت بإحدى تلك البلدان التي حبتها وجادت عليها الطبيعة فأنت تعتقد بأنك يجب أن تبتعد عن ظل تلك الشجرة دون أدنى خوف مع ذلك فإن الشمس فوقنا وخلال الفترة التي يمكن تمضيتها في تأدية صلاة الهروب سوف يتم حجبها تماما بواسطة أسراب الجراد , أتمنى أن يقوم الله الكريم بمساعدة المؤمنين .! . ولقد كنت قبل هذا شاهدا على هذه الظاهرة في جدة عدة مرات ولقد كنت متأكدا أن صاحبي الهندي صادق في آرائه وفي سرعة بالغة مرت الظلال فوقنا لتحجب هنا ضوء الشمس وكان هناك اضطراب في الجو نفسه تمت تغطية الأرض بأسراب الجراد التي خيمت على أنظارنا وكانت تمتلك أجنحة أطول من أجسامها وكانت تتميز ببقع داكنة في مقابل خلفية بيضاء وقد شق كل واحد من أهالي الطائف إلى حديقته وكانوا يرددون صرخات عالية وهم ينادون : حديد .. حديد .. فر .. فر .. وذلك بغية طرد هذه الأسراب بعيدا الا إن شيئا من ذلك لم يقم بالمساعدة في منعها من استهلاك محصولهم . وبما انه قد تم أخذ كل معدات الطبخ إلى الحدائق فقد صار كل من الرجال والنساء والأطفال يتصادمون بعضهم مع بعض وكان ذلك من اغرب أنواع الضجيج التي كان الواحد يتخيل سماعها على الاطلاق , لقد غدا واضحا ان اسراب الجراد كانت بعيدة عن التأثر بهذا الضجيج فقد كانت معتادة على ممارسة طيرانها في ظروف اصوات مماثلة لكنه بات واضحا أن هذه الزمجرة لم تفزعها لأنها واصلت بهدوء التهام كل المحاصيل . وخلال ذلك انخفضت حدة الرياح الشرقية التي قامت بحملها إلى هنا وفي الوقت نفسه هبت الرياح القادمة من الشمال بكل عنف اذ كانت سببا في توجيه هذا البلاء باتجاه القبائل التي كانت تخيم جنوبا ولحسن الحظ لم يكن التلف والدمار كثيرا بصورة واسعة ولجأ صديقي الهندي الى البحث عن عزاء له في الفكرة القائلة : لقد وقانا الله من هذه الكارثة المفجعة فالحمد والشكر لله أن غدا عدد كبير من هذه الحشرات ركاما تحت ضرباتنا , إن أسراب الجراد هذه تكون جيدة بعد وفاتها مثلما تكون مرعبه بالقدر نفسه وهي على قيد الحياة ولن يذوق رجالي نوعا آخر من الطعام ما دامت هذه الضحايا موجودة . فسألته قائلا سوف يكون ذلك تعويضا عن الأضرار والخسائر التي الحقتها بكم ولكن بالنسبة لك هل تقوم أنت شخصيا بأكلها .؟ اتمنى ذلك حقا ويجب أن تقوم أنت بنفسك بالانضمام الى مائدتي إذا كان ذلك مناسبا لك .!! قلت انني مدين لك بذلك ولكن قبيل انصرافي لدي نصيحة أود أن أوجهها لك . إنك وعند علمك بقدوم الجراد وبدلا من أخذك عمالك بعيدا عن مهامهم بغية أخذ المراجل وقدور الطهي يجب أن تبحث عن وسيلة أخرى لتحقيق النتيجة نفسها عن طريق جعلهم يقومون بتدوير المكنة التي تتحكم في حفرة المياه الخاصة بك..