لم تكن الرياض لتستمر في هذا النمو الجنوني في المساحة والسكان، وما يترتب على ذلك من زيادة مخيفة في أعداد السيارات التي تجوب الشوارع، بدون وسيلة مواصلات عامة حديثة ذات كفاءة عالية تنقذ السكان من الزحام الشديد والانتظار الطويل عند التقاطعات وإشارات المرور، وتقلل زمن انتقالهم من أماكن سكنهم إلى أماكن عملهم وقضاء حوائجهم. وكعادته، استشرف الملك عبدالله مستقبل الرياض ولم يتردد في اتخاذ القرار. إن ما يلفت نظر الزائر والمقيم في المملكة العربية السعودية هي المشروعات التنموية العملاقة التي ارتفع معدلها بشكل كبير منذ أن تسلم الملك عبدالله مقاليد الحكم في المملكة. هذه المشاريع موجودة في المدينة والقرية، في الشارع الكبير والحارة، في الصحراء وداخل البحر، على سطح الارض وحتى داخل باطن الأرض. ومن أهم هذه المشاريع وأكثرها فائدة للمواطنين والمقيمين على حد سواء هو مشروع بناء شبكة متكاملة للمواصلات العامة، تتضمن شبكة المترو والحافلات. بدون هذه الشبكة سيكون التنقل داخل مدينة الرياض شبه مستحيل في السنوات القليلة القادمة. من الملاحظ أن قطاع النقل في المملكة العربية السعودية يتطور بسرعة فائقة. وما هذه الحفريات داخل الرياض وخارجها و تى على الطرق السريعة إلا دليل على ذلك، وما توافد الوفود التجارية وشركات المقاولات الدولية الى المملكة العربية السعودية إلا دليل آخر على أهمية هذا القطاع واهتمام المسؤولين في الرياض بالانتهاء من هذا المشروع الحيوي في أسرع وقت ممكن. يزور المملكة العربية السعودية حالياً السيد روبرت جودويل، وكيل وزارة النقل. حيث يقوم بعقد لقاءات غاية في الأهمية في الرياضوجدة مع المسؤولين عن النقل العام والرئاسة العامة للطيران المدني. كما تهدف زيارته إلى التعرف إلى ما يمكن أن تقدمه الشركات البريطانية للمساعدة في تطوير البنى التحتية المتعلقة بهذا المشروع العملاق. تعمل عدد من الشركات البريطانية العملاقة المتخصصة في هذا المجال بعقود بنى تحتية واستشارية ضخمة متعلقة بمشروع الخط الحديدي الشمالي الجنوبي، المعروف بالجسر البري الذي يربط بين مدينتي الرياضوجدة بطول 900 كيلومتر، منها 70 كيلو متراً تحت الأرض. هذه الشركات البريطانية تعمل أيضاً في مشاريع المترو وتطوير المطارات إضافة إلى مشاريع البنى التحتية في جميع مدن المملكة. وكلما تطور قطاع النقل في المملكة وزادت المساحة العمرانية فيها، كلما كان هناك دور أكبر للشركات البريطانية. على الرغم من أن السيد جودويل يزور المملكة للمرة الأولى، فقد زارنا مؤخراً معالي اللورد كينج، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، على رأس وفد يضم عدداً من أكبر الشركات البريطانية العاملة في مجال النقل والتي أبدت استعدادها في الدخول إلى أسواق المملكة العربية السعودية. يلاحظ كل من يزور المملكة المتحدة مؤخراً أن هناك مشروعاً ضخماً في لندن يتم استكماله حالياً. انه مشروع كروس ريل، وهو الأكبر في أوروبا، حيث يتم من خلاله تطوير واستكمال أكبر بنية تحتية في بريطانيا. هذا المشروع سيغير من مفهوم التنقل داخل لندن، حيث سيقلل من وقت الرحلات داخل العاصمة، كما سيعمل على تخفيف حدة الزحام والأهم من ذلك أنه سيوفر عدداً من الرحلات البديلة التي ستجعل أسلوب التنقل داخل العاصمة تجربة شيقة وسهلة. بدأ مشروع كروس ريل في عام 2009، يعمل به آكثر من عشرة آلاف شخص في أربعين موقعاً، وتبلغ تكلفته الإجمالية حوالي 15 مليار جنيه استرليني. إن الخبرات والتجارب التي تمر بها الشركات البريطانية العاملة في هذا المشروع تجعلها قادرة على إنهاء المشاريع العملاقة في أوقات قياسية. هذه الشركات ستكون إضافة قوية للمشروعات المماثلة في المملكة العربية السعودية. إن السكك الحديدية في بريطانيا هي الأقدم في العالم، فلدينا شبكة قطارات عامة تم بناؤها في عام 1825 وتدار من قبل إدارة الشركة المسؤولة أيضاً عن 15735 كيلومتراً من القضبان الحديدية. إن شبكة الخطوط الحديدية البريطانية تأتي في المرتبة الثامنة عشرة كأكبر الشبكات في العالم، وعلى الرغم من إغلاق بعض الخطوط، فهي مع ذلك الأكبر في أوروبا حيث إنها أكبر بنسبة 20% من الخطوط الفرنسية، وأكبر من الخطوط الإيطالية والإسبانية والنرويجية والسويسرية والهولندية والبرتغالية مجتمعة. أعلم أن عملية بناء المشروع تتم بسرعة مذهلة. ربما يتذمر البعض من تغيير مسارات الطرق أو غلقها أحياناً، ولكن، وعن تجربة شخصية، سيشعر الذين يتذمرون بالخجل عندما يستغنون عن سياراتهم ويستخدمون المترو الذي سيوصلهم إلى أعمالهم في دقائق ودون عناء. يطلق البريطاني على المترو في لندن "التيوب"، فياترى ماذا سيطلق السعوديون على المترو حقهم؟ * السفير البريطاني لدى الرياض