أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن الحاجة إلى الحوار بين أتباع الديانات والثقافات تستدعيها الظروف العالمية الراهنة في ظل ما تشهده المجتمعات البشرية من أزمات وتواجهه من تحديات متنامية تنذر بالمزيد من المشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من شأنها تعميق المعاناة الإنسانية. وقال الملك في حوار موسع مع صحيفة \"لاروببليكا\" الإيطالية، عشية افتتاحه المؤتمر العالمي للحوار في مدريد، إن الحل لإزالة الريبة والشكوك بين الجميع يكمن بالدرجة الأولى في تأسيس مبدأ التحاور فيما بيننا. وثانيا الانطلاق من مبدأ المشترك الإنساني النابع من جوهر الرسالات السماوية والمعتقدات والثقافات التي تدعو جميعها إلى الخير بكل صوره وأشكاله، وتنبذ الشر بكافة عناصره. وتابع الملك يقول إن \"قوى التطرف والبغي والضلال عادة ما تسعى إلى تضخيمها واستغلالها لبث الفرقة وإثارة النزاعات والحروب وإيجاد حالة الفوضى، لذلك نجدها دائما تصاب بالذعر والهلع عندما تستشعر نزوع البشرية إلى الحوار والتفاهم عوضا عن الصدام والتناحر، لأنها تدرك جيدا أن الحوار هو السبيل الفاعل لإجهاض مخططاتهم الشريرة التي تتنافى وجميع الديانات والمعتقدات الإنسانية والفطرة الإنسانية السليمة\". وفي مايلي مزيدا من التفاصيل: أبرزت الصحف الإسبانية أمس مؤتمر حوار الأديان، وأشادت بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لعقد مؤتمر الحوار العالمي، الذي سيفتتح اليوم في مدريد برعاية خادم الحرمين الشريفين وحضور الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا. وكتبت صحيفة \"الباييس\" الواسعة الانتشار مقالا أمس تحت عنوان \"المملكة العربية السعودية تختار مدريد لعقد لقاء بين الأديان والثقافات\" جاء فيه أن العاصمة الإسبانية ستحتضن مؤتمرا دوليا للحوار أعلن عن إقامته مسبقا الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خلال عقد المؤتمر الإسلامي الدولي من أجل الحوار في مكةالمكرمة، مهد الإسلام، في أيار (مايو) الماضي، ثم سارعت رابطة العالم الإسلامي إلى التحضير له. من بين الشخصيات المدعوة لحضور المؤتمر مختصون دوليون في الحوار بين الأديان والحضارات، إضافة إلى قيادات بارزة تمثل الديانات السماوية الثلاث والكثير من المعتقدات الأخرى، وسيشارك في اللقاء أكثر من 200 مدعو، تولت سفارة المملكة في مدريد توجيه الدعوة لهم، منهم عدد من الكرادلة الكاثوليك والأساقفة الإنجيليين وبطاركة من الكنائس الأرثوذكسية وحاخامات يهود ورهبان بوذيين من عدة بلدان، فضلا عن قيادات إسلامية بارزة تمثل مختلف المذاهب. وأضافت الصحيفة أن الجلسات ستعقد على مدى ثلاثة أيام، وسيتم الافتتاح في قصر الباردو برعاية خادم الحرمين الشريفين وملك إسبانيا خوان كارلوس الأول، وبحضور الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وخورخي سامبايو رئيس البرتغال السابق، الذي يشغل أيضا منصب الممثل الأعلى لتحالف الحضارات. وأكدت الصحيفة أن دعوة الملك عبد الله إلى عقد المؤتمر في إسبانيا تأتي كونها البلد الذي شهد تعايش الأديان في الماضي الغابر على مدى قرون وكانت مسرحا للتفاهم بين الديانات السماوية الثلاث، ويعود اليوم ليجمع بصفة رسمية بين قيادات دينية ومفكرين علمانيين. وقالت إن الفاتيكان اعترف في كانون الثاني (يناير) الماضي أن الإسلام بملايينه ال 1500 يعد الديانة الأوسع انتشارا في العالم، يأتي بعده اتباع الكنيسة الكاثوليكية (أكثر من ألف مليون). وسيمثل الفاتيكان أحد وزراء البابا وهو الكاردينال جان لويس توران رئيس مجلس الحوار بين الأديان، الذي سيكون أحد الخطباء في جلسة الختام بجانب الدكتور عبد الله التركي. وأضافت الصحيفة أن لقاء مدريد سيصدر بيانا ختاميا يتولى إلقاءه الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الزيد نائب الأمين لرابطة العالم الإسلامي لشؤون المساجد والدعوة. وتابعت أن الملك عبد الله أعلن من مكةالمكرمة أن الأنبياء إخوة من أمهات مختلفات يدينون بدين واحد. وزادت \"الباييس\" أن الديانات السماوية الثلاث تنبع من أصل واحد وتتشارك في الإشارة إلى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وسليمان عليهم السلام من بين الكثير من الأنبياء المذكورين في الكتاب المقدس، ومن هنا يلتقي الإسلام بالمسيحية واليهودية، بينما الخصومات فيما بين هذه الأديان تكون حتما مضرة بالبشرية في الكثير من الأحيان. وأكدت الصحيفة أن هانس كونغ عالم الدين السويسري، الذي تبنى فكرة منذ عقد من الزمن لاقت استحسان أتباع العقائد المختلفة، ألا وهي حوار الأديان كأساس للشروع في عملية تؤدي إلى السلم العالمي، سيشارك في لقاء مدريد. وكان شعار كونغ التالي \"لن يكون هناك سلم عالمي ما لم يتحقق السلام بين الأديان، ولن يكون هناك سلام بين الأديان دون الحوار فيما بينها\". ونقلت الجريدة الإسبانية فقرات مطوّلة من كلمة خادم الحرمين الشريفين في مؤتمر مكة، منها أن البشرية تعاني تفكك الأسرة والانحلال الأخلاقي وتلوث البيئة والحروب التي هزت ضمير المفكرين وأولت اهتماما بالغا بالبحث عن حلول لإنقاذ الإنسانية من آلامها، وأن الجميع يأملون من قيادات وأتباع الديانات والثقافات المختلفة إنقاذ البشرية من الأخطار التي تهدد مستقبلها. واختتمت الصحيفة مقالها بالإشارة إلى مميزات هذا المؤتمر، الذي سيسعى إلى أن يكون مرجعية للعالم في مجال الدين وإلى التعايش بين الحضارات. من جهتها، ذكرت مجلة \"نورماغازيت\" أن هذه المبادرة جاءت من طرف الملك عبد الله عقب لقائه الأخير في جدة مع ملك إسبانيا خوان كارلوس الأول وما تبعها من زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى مدريد ثم وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي ناقش الأمر مع رئيس الحكومة الإسبانية خوسيه لويس رودوريفيز ثابا تيرو، مبلغا إياه رغبة خادم الحرمين الشريفين في لقاء يجمع الأديان يعقد في العاصمة الإسبانية، وسارع ثابا تيرو إلى الرد إيجابا وترحيب سلطات مدريد بهذا الجمع الكريم. وأضافت المجلة نقلا عن الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن الدعوة للحوار بين مختلف الأديان أطلقها الملك عبد الله عقب لقاء مكة، الذي ضم عددا من المسلمين. وتابعت أن مؤتمر مكة عبر عن الحاجة إلى بناء جسر من التفاهم المتبادل والتعايش المشترك. وزادت على لسان التركي أن مؤتمر مكة للحوار بين الأديان استضاف علماء دون اعتبار لعرق أو جنس أو مذهب أو بلد، وكان يهدف إلى تشجيع ثقافة التسامح، وأن المؤتمر تحقق في وقت يشهد فيه العالم عددا من التحديات تهدد وجود البشرية، وأنه أكد أن الإسلام لديه الحلول لهذه الأزمات، لذا دعا المسلمون بالدرجة الأولى وآخرون إلى إيجاد الحلول لجميع تلك القضايا. وبحسب نشرة موقع ويب إسلام في صفحته بالإسبانية قالت إن خادم الحرمين الشريفين بذل جهودا كبيرة لعقد هذا المؤتمر العالمي وأن فكرة عقد المؤتمر في إسبانيا جاءت كونها شهدت العام الماضي تعايشا بين المسيحيين واليهود والمسلمين.