سألني صديق: بماذا يمكن أن ترد السعودية على اتهامات حسن نصرالله زعيم «حزب الله» بأنها وراء تفجيرات السفارة الإيرانية في بيروت 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؟ وما هو المكان والتوقيت المناسبان اللذان على السعودية أن تضعهما في حسابها في حال قررت الرد؟ قلت لصديقي إن الرد السعودي المناسب - لم يرد السعوديون الفعل حتى موعد كتابة هذه المقالة - هو: لا رد! وعلى الإدارات الديبلوماسية في المملكة أن تحرّف قليلاً في البيت العربي المشهور: «لا أنت قلت ولا سمعت أنا... هذا كلام لا يليق بنا»، ليصير: «إن أنت قلت فما سمعت أنا...». وبما أنني لا أعمل في الديبلوماسية السعودية، ولست محسوباً على السياسة الخارجية للمملكة، فسأتولى مهمة الرد، ليس على الاتهام نفسه، وإنما على الأسئلة التي سبقت الاتهام وتلك التي ستتلوه. السؤال الأول يقول: لماذا يبادر «حزب الله» دائماً في حال تعرضه لتفجير أو هجوم أو اغتيال أو أي عمل استخباراتي إلى توجيه الاتهام لطرف «ما» قبل التثبت، وقبل أن تتكشف خيوط العملية؟ وأجيب، لأن القائمين على الحزب لا يريدون أن يعطوا أتباعهم والمتعاطفين معهم فسحة من التفكير الحر في مسببات العملية ومن يقف خلفها، لأن ذلك قد يخلق تأويلات وتخرصات لا تتفق مع سياسة: لا أريكم إلا ما أرى. كما أن تسليط ضوء الاتهام في جهة واحدة يغذي الشعور العدائي لهذه الجهة من جانب، وشعور الانتماء ل«حزب الله» من جانب آخر، وهذا ما لن يتحقق في ما لو تعددت الجهات المتهمة، فكل متعاطف أو منتم حينها ل«حزب الله» سيغني على ليلاه، وليست كل ليلى بالضرورة تتفق مع سياسات الحزب! والسؤال الثاني يقول: لماذا يحرص «حزب الله» على التصريح بأعدائه دائماً؟ وأجيب، لأن الحزب مرتبط وجوده بوجود أعداء حقيقيين ومفترضين! لو كان لبنان بلداً آمناً مسالماً ينعم بالديموقراطية وأسباب المدنية لاختفى «حزب الله» وغيره من الأحزاب الانتهازية من الوجود، لكن لأن لبنان ليس كذلك، ولأنه يراد له أن لا يكون كذلك، فستظل هذه التنظيمات غير الشرعية موجودة بحجج شتى، فمرة تحت غطاء المقاومة، ومرة لحماية مكون شعبي معين، ومرة للوقوف ضد تسلط طيف آيديولوجي معين على بقية الأطياف اللبنانية. «حزب الله» على استعداد لاستعداء كل الأطراف الخارجية والداخلية لتبرير وجوده، هو مستعد لمحاربة طواحين الهواء، فقط ليثبت للمنتمين له والمتعاطفين معه أن لا حياة كريمة لهم إلا بوجوده. هو على استعداد لصنع المشكلة ليوهم الآخرين أنه منصة الحلول التي لا غنى عنها. والسؤال الثالث يقول: لماذا اتهم نصرالله السعودية دوناً عن غيرها؟ وأجيب، لأنه بتوكيل إيراني يلعب دور الشرطي السيئ، فيما يلعب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف دور الشرطي الجيد من خلال ابتساماته التي نسي نصفها في بعض دول الخليج الأسبوع الماضي. الإيرانيون ليسوا كالسعوديين في طريقة تعاطيهم مع القضايا والإشكالات الإقليمية، فعلى عكس السعوديين الذين يقبلون «كلهم» مرة واحدة أو يدبرون «كلهم» مرة واحدة، فإن الإيرانيين وكتكتيك سياسي، ظلوا دائماً يحتفظون برأيين متضادين تجاه كل القضايا المعلقة في المنطقة. كان هناك دائماً محمد خاتمي وكان هناك شريعتمداري، وكان هناك هاشمي رافسنجاني وكان هناك أحمدي نجاد، وكان هناك حسين كروبي وكان هناك علي خامنئي. ظل الإيرانيون على مدى العقود الثلاثة الماضية يقدمون رجل الشرطي الجيد ويؤخرون رجل الشرطي السيئ، ويفعلون العكس كلما احتاج الأمر. وفي الأسبوع الماضي تغيرت الحسبة قليلاً، بحيث صار الإيراني هو الشرطي الجيد والعربي التابع هو الشرطي السيئ! وما يبعث على التأمل والضحك في الوقت نفسه أن الشرطي السيئ لم يقم بدوره على الوجه الأكمل، فقد اختار سيناريو لا يتناسب أبداً مع واقع الحال ولا حتى المتخيّل الفني. نصرالله أو الشرطي السيئ يقول إن «تفجير السفارة له علاقة بالغضب السعودي من إيران»، لأن المملكة «تحمل إيران تبعات فشل مشاريعها في المنطقة»، لاسيما في سورية حيث يقاتل «حزب الله» إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم من إيران، في حين تدعم السعودية المعارضة المطالبة بإسقاطه. ويضيف نصرالله أن التفجير المزدوج له علاقة كذلك «بالهجوم على إيران واستهدافها ممن يعلن العداء لها، ويثقف في العالم العربي والإسلامي منذ العام 1979 على أنها عدو»، يقصد السعودية. وهو بهذا الكلام أعلاه يثبت فشله السياسي وفشله حتى في تمثيل الأدوار المطلوبة منه كممثل «عند الطلب»! فالسعودية وطوال تاريخها الحديث لم تسلك مثل هذا السلوك أبداً ولم يعُرف عنها - حتى لطلاب العام الأول سياسة - أنها انفعلت أو ردت الفعل بهذه الطريقة. أعود لسؤال صديقي الأول وأجيب، إن السعوديين عليهم ألا يعطوا تصريحات نصرالله حجماً أكبر من حجمها لسببين: الأول لأنهم إن فعلوا وقارعوا اتهاماتها وادعاءاته بالحجة، فإنهم بذلك يرسلون للذهنية العالمية رسالة غير مباشرة تفيد باعتراف السعوديين بهذا الحزب المستفيد من حال اللاسلم واللاحرب اللبنانية، والثاني لأنهم إن فعلوا ذلك أيضاً فسيظل الطرف الذي يلبس جلد الحمل شرطياً جيداً على الدوام! للكاتب عبدالله ناصر العتيبي نقلا عن الحياه