ينظر إلى قدر قليل من التضخم على أن له تأثيرات إيجابية على الاقتصاد، وليس هناك حد متفق عليه، لكن نسبة تقل عن 2 في المائة سنويا يعدها كثيرون قليلة. أحد الأسباب أنه ينظر إليه على أنه ضغط خطر كامن، يعمل على تآكل قيمة النقود، ما يعطي حافزا لأصحاب المدخرات لاستثمارها، بدلا من مشاهدتها تتآكل. ويؤخذ بهذه الحجة عند الدفاع عن التوسع في الإنفاق التنموي بما يتجاوز كفاية الموارد المالية العامة المتاحة، ويمول العجز بإصدار المزيد من النقود، ومن ثم تتعرض قيمتها للانخفاض. من الأسباب الأخرى للنظر بإيجابية إلى معدلات التضخم المنخفضة أن المفاوضات على الأجور ليست سهلة، وخاصة عبر خفضها، ومن ثم يكون من السهل للأسعار النسبية (نسبة أسعار السلع والخدمات والأجور بعضها إلى بعض، مثلا كيسة أو رزمة خبز بريال، وجريدة بريالين، وعلى هذا فسعر الجريدة يساوي سعر رزمتي خبز. لو تغير سعر رزمة الخبز إلى ريالين، والجريدة إلى ثلاثة ريالات، فإن السعر النسبي للسلعتين يتغير) أن تتكيف عند وجود زيادة عامة في الأسعار. وبعض الأسعار بطبيعتها صعب نزوله. المحاولة لجعل الأسعار ثابتة (ربما لمكافحة التضخم) تعاقب المنشآت في السوق التنافسية. مثلا تثبيت أسعار الفنادق أو الشقق المفروشة أو أجور الحلاقة يمنع المؤسسات الأقل مستوى تجهيزاً وخدمة ً من خفض أسعارها. والعكس بالعكس، أي أنه لا يحفز المؤسسات على تحسين خدماتها. كما أن المساعي لتحقيق استقرار تام في الأسعار (مثلا عبر دعم بعض السلع) يمكن أن يؤدي إلى عكس التضخم (أي إلى خفض الأسعار)، وهو ما ينظر إليه على أنه ناتج سلبي للتكييف في حركة الأجور، وفي الإنتاج بمعناه الواسع. أي إنتاج كل السلع وكل الخدمات التي توفرها كل القطاعات الاقتصادية، حتى ولو كانت خدمات استيراد. ويتفاوت تأثر الإنتاج بالتضخم حينما يكون هناك ثبات في تكيف التكاليف مع الأسعار وكميات الإنتاج. ويتحدد هذا التفاوت، وفقا لمرونة إيرادات المنشأة بالنسبة للطلب على إنتاجها. كلما زادت هذه المرونة، تأثر الإنتاج سلبا بالتضخم. تفسير ذلك أن السلع الكمالية (على وجه العموم) تتأثر مبيعاتها سلبا عند ارتفاع أسعارها، بشرط بقاء الظروف الأخرى (كالدخل) على حالها، وهذه السلع تتصف عادة بأنها عالية المرونة. إلا أن معدلات التضخم التي تزيد على الحدود المطلوبة للحرية النقدية وحوافز الاستثمار تعد سلبية، بل وقد تكون آثارها مدمرة، عندما تبلغ المعدلات أرقاما أقرب إلى الخيال. يعمل التضخم على تغيير الأسعار النسبية. ويعمل على دفع الأجور إلى الارتفاع، لكن من الملاحظ أن ارتفاع الأجور يقل في كثير من الأحيان عن ارتفاع الأسعار، ما يعني انخفاض الأجور الحقيقية. وإذا كان انخفاض الأجور الحقيقية عاليا، فهذا نذير سوء لأغلب الناس. فارتفاع الأسعار أكثر من الأجور الحقيقية يعني انخفاض مستوى المعيشة، وازدياد الفقر. مثلا، تتضاعف الأسعار خلال أربع سنوات تقريبا إذا كان معدل التضخم في حدود 20%، لكن من البعيد جدا أن تتضاعف الأجور خلال هذه السنين. أصحاب العقارات يربحون جراء التضخم، وكذلك أصحاب الأسهم، وهو ربح وهمي أحيانا، لكن حملة سندات التمويل (أدوات إقراض) في العادة يخسرون، لأن الفوائد أو العوائد التي يتقاضونها، تكون في العادة ثابتة. ماذا بشأن المقترضين؟ إذا كانت حملة سندات التمويل من الخاسرين، فإن المقترضين يستفيدون من التضخم، بالنظر إلى انخفاض القيمة المستقبلية للنقود. وإيضاحا، افترض أنك حصلت على 100 ريال بطريقة تمويل ما، على أن تعيدها بعد سنة 110 ريالات. لو افترضنا أن الأسعار ارتفعت بنسبة 20%، خلال العام، أي أنه أصبح يلزمك 120 ريالا لتشتري نفس السلع (من الممكن أن تكون السلع أسهما) التي كنت تشتريها بالمبلغ المقترض 100 ريال قبل سنة تقريبا. المقترض، وفق الافتراضات السابقة، استفاد من ارتفاع الأسعار. هذا يفسر لنا ارتفاع العوائد التي تقاضاها بعض الممولين خلال فترة طفرة سوق الأسهم قبل سنوات. باختصار، يعمل التضخم على إعادة توزيع الدخل، من خلال تأثيره في القيمة الحقيقية لثروات الناس، كما يعمل على خفض الدخول الحقيقية من خلال خفض القوة الشرائية للنقود. ولكن عند حصول زيادة في الدخول (الاسمية)، فإن المحصلة كما يلي: من ترتفع دخولهم بنسبة تزيد على نسبة ارتفاع الرقم القياسي يكسبون قوة شرائية أعلى. أما الذين لا ترتفع دخولهم بنسبة تزيد على نسبة ارتفاع الرقم القياسي، فإنهم إما لا يكسبون أو يخسرون (القوة الشرائية لا تتغير أو تنخفض).