كان الثلاثاء الماضي يوماً تاريخياً في حياتي فقد تمكنت فيه بعد محاولات وتوسلات وبعد تأليف أربعة كتب طبية عربية تمكنت من القاء أول محاضرة طبية باللغة العربية بندوة من أهم الندوات العلمية العالمية وهي الاجتماع السنوي المنعقد بالرياض للجمعية السعودية لطب العيون ورغم أن محاضرتي جاءت خارج البرنامج الرسمي للندوة الا انني لم اهتم لأنها الخطوة الأولى في الطريق الطويل لتعريب الطب والعلوم. وقد توجهت للرياض مساء السبت وكانت تذكرتي وحجز الفندق هدية من شركة الأمين الطبية ولم تكن الهدية لأجل أدبي وكتاباتي فذلك شيء لا يهمهم ولكن الذي يهمهم ما اشتريه منهم لعيادتي من الأجهزة والمعدات الطبية. وكان حجزي بالدرجة الأولى وهي درجة لم أركبها في حياتي إلا ثلاث مرات لانني لا أهتم بالمظاهر ولكنني لما وصلت المطار اعتذروا لي عن تخفيض الدرجة واعطيت فرق السعر وتعويض مالي فقلت لهم ان الدرجة الأولى لا تهمني طالما انكم تضمنون مقعدي بالطيارة لكنني لا زلت في حيرة من استحقاقي لمبلغ الفرق والتعويض. وأنا ممن يخاف الطيران ولكن خوفي زال نصفه لما عرفت بان الكابتن سعودي وزال نصفه الآخر عند تأكدي بأن الطائرة بوينج وهي طائرة مأمونة أحبها منذ ان ذكرها الشاعر طاهر زمخشرى في أغنية: اسرع من البوينج ياراكب الكدلك. وقد كمشت الخطوط السعودية حجم المقاعد حتى صار المقعد يتسع بالكاد للراكب المتوسط الحجم الا ان حجمي لحسن الحظ يتناسب مع اقصى خفض يمكن ان تحدثه الخطوط السعودية مستقبلاً في مقاعد الركاب. وقد استأجرت في دقائق عند الوصول سيارة متواضعة ولم يطلب مني موظف التأجير غير الهوية والرخصة وهي خدمة لا أظنها تتوفر بهذه السهولة في أي بلد آخر. وكان محل النزول فندقاً فخماً مريحاً والفطور فيه بالمجان إلا انه لم تعجبني طريقة تقديم الفطور بالبوفيه المفتوح لما في ذلك من بذخ وسرف وأتمنى ان تغير الفنادق السعودية طريقة تقديم الطعام بما يناسب ثقافتنا العربية. وقد حضرت اليوم الأول بمعرض الكتاب واعجبني المكان واتساعه وفخامته الا ان أسعار الكتب كانت مرتفعة فلم اتمكن من شراء كل ما أريد وليتنا نعفي الناشرين من الرسوم لينخفض سعر الكتاب. هذا وبمركز الملك فهد الثقافي بالرياض حيث يقام المؤتمر الطبي قبة سماوية فخمة تفرجنا فيها منبهرين على نجوم السماء ومجراته وهي مفتوحة مجاناً لأي مجموعة تحجز مقدماً على الفاكس 4800864. هذا وقد تمكنت في رحلة العودة من ركوب الدرجة الأولى وكنت سعيداً بانني لن اسمع فيها صراخ الأطفال وعويلهم الا انني اكتشفت بعد الاقلاع بدقائق بأن ورائي طفلاً رضيعاً وانه بدأ يصرخ دون توقف من الرياض حتى جدة مما افسد الجو بالدرجة الأولى وجعلني أتمنى العودة للدرجة السياحية أو حتى لكابينة العفش.