احتفلت إثنينية عبدالمقصود خوجة في جدة أمس الأول بالدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع، الناقد الأدبي المعروف، رئيس نادي الرياض الأدبي سابقاً حيث قال عبدالمقصود خوجة لضيفنا الكثير من الدراسات الأدبية المقارنة، وان غامرت في فضاء التنظير حول أدب المهجر، إلا أنها افتتحت جغرافيا جديدة في هذا المنحى، فأضاف ضيفنا الكريم للمهاجر تخوما ذهنية جديدة، من هذا المنطلق جاء كتابه القيم “أدب المهجر الشرقي” بادرة غير مسبوقة في دراسات الأدب المهجري التي تم تصنيفها كنماذج فريدة للآداب العربية خارج حدود العالم العربي، واستطاعت “الاثنينية” أن تنشر الأعمال الكاملة - لآخر أدباء المهجر - ممثلة في نتاج الأستاذ زكي قنصل، الذي عاش في الأرجنتين، وصاغ شعراً عذباً رقيقاً رغم بعده عن جذوره وبيئته العربية، وتوفي في مهجره عام 1994م، كما كرمته “الاثنينية” بتاريخ 02/07/1412ه وظل الانطباع السائد أن “أدب المهجر” كله في الغرب، إلى أن استطاع ضيفنا الكريم تغيير اتجاه البوصلة نحو الشرق، وفتح كنوزاً من العطاء الذي كان مطموراً في غياهب المخطوطات والمطبوعات النادرة.. ولو لم تصدر عنه إلا إضاءة هذه القناديل فحسب في دروب الأدب العربي لاستحق عليها كل الشكر والتقدير. وأكد خوجة مما لا شك فيه أن رئاسة ضيفنا لمجلس إدارة نادي الرياض الأدبي خلال الفترة 1419 – 1427ه (1998 – 2006م) شكلت واحدة من أجمل وأخصب فترات عطائه الموسوم بالنماء والتنوع.. فإدارة أي ناد أدبي شيء مختلف، لأن التعامل مع الوسط الثقافي له نكهة خاصة، ومذاق بطعم الاختلاف أحياناً في تناول الكلمة وأخواتها، والبرامج ومدلولاتها، والأجناس الأدبية وأنصارها، فكلما ارتفع سقف التوقعات الثقافية، زادت نسبة قلق الإدارة بشأن النتائج المرجوة،الأمر الذي يستحلب جهوداً مضاعفة، لإرضاء شرائح أكبر من المهتمين.. وأحسب أن ضيفنا سدد وقارب، وحقق أماني كثيرة، وفق الميزانيات المعتمدة، والأطر واللوائح والنظم الإدارية التي تحكم عمل النادي الأدبي.. وهي رحلة طويلة أرى أن ضيفنا اكبير أعد العدة لمذكرات تخرج علينا في زينتها قريباً إن شاء الله. وقال خوجة انشغل الربيع بأمور عدة في الفضاء الثقافي، أبرزها قضايا الحوار البيني مع المحيط الإسلامي الواسع، ومن ملاحظاته النابهة في هذا السياق، إشارته إلى العلاقة الوثيقة والأواصر القريبة بين الأدب العربي، وآداب تلك الشعوب الإسلامية، والتي تتبدى في أمور منها، وحدة الفكر والثقافة والتاريخ المشترك، وقد عكف على تبيان التأثر والتأثير بين تلك الآداب، وخلص إلى اعتبار أن الأدب العربي هو الدوحة الكبرى وقطب الرحى، والآداب الإسلامية أغصان وفروع تفرّعت عنه، ثم أفادت من البيئة المحلية ومعطيات الزمان والمكان.وفيما يلي تأسيسه النقدي للتعالق بين الخطاب الشعري في المحيط الإسلامي والشعر العربي، رأى أن هناك تقاربا في الشكل الفني والصور الشعرية،استدل بذلك على مقولة أن أغلب عروض الشعر في الآداب الإسلامية مستمدة من العروض العربي، ومن نظام القافية العربي، لم تنحصر العلاقة فقط في الخطاب الإبداعي شعرا ونثرا، بل تعدت ذلك، فيما يرى ضيفنا الكريم إلى اللغة نفسها كناظم جمالي، فقد لاحظ أن هناك علاقة وثيقة بين اللغة العربية الخالدة، ولغات الشعوب الإسلامية، ويتضح ذلك من وجود عدد هائل من الكلمات العربية، في لغات الشعوب الإسلامية قد تتجاوز نصف كلمات بعضها، وقد تنقص عن ذلك، لكن التأثير واضح للعيان، يُضاف إلى ذلك، أن أغلب تلك اللغات تستخدم الحرف العربي، أو كانت تستخدمه، ثم تركته بتأثير الاستعمار الغربي وأعوانه. بعدها تحدث الدكتور محمد بن سعد السالم، رئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية، وعضو مجلس الشورى قائلا تحتفي هذه الاثنينية العتيدة بقامة سامقة من قامات الفكر والأدب والثقافة في بلدنا الغالية، وعلم من أعلام الأدباء والمؤلفين، أنه الزميل الدكتور محمد عبد الله الربيع، لقد كان لي شرف ملازمة ومزاملة الدكتور محمد خلال أكثر من ثلاثة عقود، كنا ندرس خلالها في رحاب جامعة الإمام سواء في معهد الرياض العلمي، أو في كلية اللغة العربية بالرياض، أو من خلال الزمالة في العمل سواء في عضوية هيئة التدريس، أو من خلال المناصب التي تسلمها سعادته في الجامعة ، عميدا للبحث العلمي ووكيلا للدراسات العليا، أو رئيسا للمجلس العلمي، على غير ذلك من المسؤوليات التي شغلها في الجامعة أو في خارجها، بالإضافة إلى الزمالة في عدد من اللجان العلمية، والمؤتمرات والندوات في الخارج والداخل، وقبل ذلك وأثناء زمالة في الحي والمسجد والمكتبة، وحتى في لعبة كرة القدم، والرحالات التي كانت تتم خارج الرياض، وكنا نلتقي يوميا بعد المغرب في منزلنا لنشرب الشاي، والمرطبات، ونجتمع في المسجد لمذاكرة الدروس، ونذهب سويا إلى المكتبة السعودية في دفنه، لنمارس متعة القراءة، وكان كريما معطاء، يساعد الجميع، يأسرهم بعلمه وسعة اطلاعه، وسمو أخلاقه). وأبان الدكتور عبد الله الحيدري:أن التفاعل مع المجتمع والاندماج فيه والمشاركة في صنع النشاط الثقافي وتنميته يحمل بعدين:الأول أن الأستاذ الجامعي وقد أتيح له الحصول على أعلى الشهادات الجامعية ينبغي ألا يقتصر عمله على ما يسند إليه رسميا من محاضرات ومناقشات واجتماعات، وإنما يحسن أن يمد يده إلى المجتمع مشاركاً ومساهماً بعلمه وبخبراته وتجاربه بقدر طاقته ووقته، وأن يخرج كم إطار الجامعة الضيق إلى فضاء المجتمع الأرحب.الثاني أن صنيع الدكتور محمد الربيع هذا يمثل تطبيقا عمليا وفعليا لرسالة الجامعة التي تقوم على ثلاثة محاور رئيسه وهي التعليم والبحث وخدمة المجتمع.وقال الدكتور عبد المحسن القحطاني، رئيس النادي الأدبي بجدة قبل أدلف إلى هذا المكان قلت ماذا أتحدث عن الدكتور محمد عبد الله الربيع، وكنت بين مجموعة من مقالات تزاحمت حولها المناكب، ولمت بأطراف كثيرة من حياته أو من سلوكه، أو من إنجازاته سواء على مستوى الجان، أو على مستوى البحث المعرفي، ثم رأيت كتاب الدكتور عبد الله الحيدري وأسميه الأخ الوفي، إذ جمع هذه المقالات في كتاب، وله حيثيات في العنوان الفرعي، ولكني أردت أن أضع الإنسان قبل العالم والإدارة، لأن الإنسان هو وعاء للمعرفة، ومن يحفز الآخرين لأن يقولوا فيه شيئا كثيرا، الإنسانية لا تحمل الحقد ولا الحسد ولا الضغينة، وإنما تلفظها، ومع ذلك تدعو الجميع إليه، فلذا لم يكن لا شتاما، ولا يأخذ الإنسان بالغيب، وإنما يتأكد، عرفت الدكتور محمد الربيع قبل أن يعرفني، من أحد طلابه، جاء ليمدح لي هذا الأستاذ الذي يدرسه في المعهد العلمي، وأنا أقول الدكتور محمد السالم ليست ثلاثة عقود، وإنما أربعة ونيف، فهو كان زميل له في المعهد العلمي له، لذا سأعرج على قضية الإنسانية، لأنها فعلا هي التي جعلت كل من حوله والمقالات التي كتبت حوله أفاضت فيه، وكلها تأخذ جوانبه، مستقلة عن الجوانب الأخرى، فهي نجوم أو منظومة اكتملت فيما بعد، وجمعها الدكتور عبد الحيدري في هذا الكتاب الذي بين أيديكم، وإن كان قبل سنوات أصدر كتاب عن حياته ومقالات فيه من جمهورية مصر العربية، ومن مجايليه أو من هو أكير منه سنا أو أصغر، العصامية بعضها ضرورة وفرض على الإنسان، الدكتور محمد الربيع، أراد للعصامية أن يخلقها لنفسه، لأنه في مجتمع أحواله المعيشية لا بأس، ووالده لديه أكثر من محل، فهو قارئ نهم ، ومتأمل فهم، ومع ذلك كان موسوعيا، هو جاحظي، وقال أحد الكتاب هو السهل الممتنع، والدليل على أنه جاحظي تناول كتاب البخلاء، فتأدبا قال : الاقتصاد في البخلاء، ولم يقل الشح أو البخل، ثم وضع نوادر مقابل نوادر البخلاء، لا أريد أن أتحدث كثيرا عن هذه النقطة، ولكني أقول إنه عاش في اللغة وللغة، يتدثر بها، ويلتحف بأغصانها، ثم بعد أن فرغ منها أخذها لخارج العالم الإسلامي، ثم تلمس للمهجريين في ذلك المكان وألف كتابه”شعراء المهجر الشرقي”، وأرجو لهذا المصطلح أن يستقر في أذهان الناس، لأنه لم يستقر بعد، وعلى تلاميذه إن شاء الله أن يؤطروا لهذا المصطلح يؤطروا، قبل خمسة وأربعين سنة وهو طالب كتب مقالات، وأتمنى من السيرة التي جاءت في الكتاب أن يكملها فقد كان صادقا). قضية اللغة العربية بعدها تحدث الدكتور محمد بن عبد الرحمن الربيع قائلا وقعت في حيرة من أمري ماذا أقول في هذه الليلة وأمام هذه النخبة هل أسهب في الحديث عن قضية معينة إن فعلت ذلك فقد تحولت كلمتي إلى بحث وليس هذا بالمراد ولا المقصود.وقال بدأت حياتي العملية في مكةالمكرمة عام 1388ه. جئت إلى مكةالمكرمة مدرساً في المعهد العلمي. قضيت أوقاتاً طويلة في بيت الله الحرام كنت أصطحب دفتر تحضير الدروس وبعض المراجع وأحياناً كراسات الطلاب أجلس – غالباً – من منتصف العصر إلى ما بعد صلاة العشاء. ثم انفتحت على المكتبات ومنها مكتبة الحرم الشريف وحتى المكتبات التجارية مثل مكتبة الثقافة. وقال الربيع أنا مدين للمجتمع المكي المثقف بالكثير من مكونات تفكيري. كانت سنتي المكية سنة خصب وثراء معرفي وتهذيب اجتماعي ورقي في التعامل تعلمت فيها الكثير رقت طباعي وتوسعت مداركي فلله أيام قضيتها في ظلال الحرم وعبق مكة ومشاهد وشواهد وذكريات لا تنسى ولا تمحى من الذاكرة . وقال الربيع كلفت برئاسة النادي الأدبي بالرياض عام (1422ه) وكانت تجربتي في النادي تحمل في طياتها نجاحاً وفشلاً وإيجابيات وسلبيات أترك الحكم عليها للزملاء الذي عايشوها لكن الشيء الذي أسعدني وأذهب عني الهم والحزن أنني لم أدخل في نزاعات ولا مناوشات مع أحد بل أزعم أن الكل رضي عن سلوكي وأخلاقي وتعاملي وإن لم يرض على نشاطات النادي. بعدها بداء النقاش مع الدكتور الربيع وحيث سالت : الدكتورة إلهام درغام من جامعة الملك عبد العزيز لماذا لا تدعم دارة الملك عبد العزيز أسلوب العلم المتأدب، إذ أن كل الاهتمامات هي للأسلوب الأدبي أو النقدي سواء من الرسائل الجامعية أو من الأسلوب العادي، ومارأيكم بالأسلوب العلمي المتأدب حالياً واتخاذه طريقة من الطرق. اجاب الدكتور الربيع: هذه القضية هامة، كما يعرف الجميع للغة مستويات في الأداء والأسلوب وهناك خصائص لكل أسلوب، فهناك اختلافات بين الأسلوب الأدبي عن الأسلوب العلمي، وهناك من يستطيع أن يقدم العلوم بأسلوب أدبي سلس. ومثالنا على ذلك الدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي الذي كان يكتب في موضوعات علمية عميقة بأسلوب يتمكن من خلالها القارئ أن يفهمها. كما أن بعض الأمم عندما تترجم الكتب إلى لغاتها تستخدم أكثر من مستوى، فالكتاب العلمي يمكن أن يصدر بأسلوب يقربها من العامة والقراء العاديين. أما فيما يتصل بدارة الملك عبد العزيز، فثمة أهداف لكل مؤسسة التي نستطيع أن نحاكمها من خلالها. وقال الدكتور عاصم حمدان لماذا نلقي بالتبعة دائماً على العامل الخارجي أليس بعض من صحافتنا وقنواتنا هي التي تقيم المناسبات وتعطي الجوائز في سبيل نشر اللغة العامية ، أليس هذا موقفاً ضد اللغة العربية الفصيحة. أجاب الدكتور الربيع:أعتقد أننا نتفق أنا و الدكتور عاصم حمدان، فهذه مسئوليتنا نحن، وإن حصل تقصير فهذا تقصير من هذا الجيل وسيحاسب عليه. أما العربية فهي خالدة بخلود القرآن الكريم. وإن قصر جيل فسيأتي جيل آخر يتجاوز هذا التقصير. ولا نلقي باللائمة على الآخرين. والتقصير منا نحن. وسألت نازك الإمام، كيف يمكن الاستفادة من التقارب بين الأدباء المسلمين في تنمية الشعور بأن أمة الإسلام أمة واحدة مهما اختلفت لغاتها وأوطانها؟. أجاب الدكتور الربيع: سؤال مهم، وهو يحتاج إلى تفاصيل لإبراز منهجيات تؤدي إلى هذا الغرض. حاولت أن أجيب عليه من خلال كتابي “ التواصل بين آداب الشعوب الإسلامية” الذي طبعته جامعة عين شمس . بني الكتاب على مشروع كنت قد أشرت إليه وقامت به جامعة الإمام محمد بن سعود. كنا نجتهد في التعرف على الأدباء الذين يجيدون تلك اللغات. وهناك قضايا العروض العربي وتأثيره في الشعر والشعراء من الأمة الإسلامية وكذلك قضية الألفاظ العربية الموجودة في تلك المواد وقضية الترابط الفكري فالجميع ينهل من منهل الإسلامي، وهناك أيضاً تأثير الأدب العربي. وهذا المجال مجال خصب للدراسات الأدبية المقارنة. وسأل عبدالمجيد الزهراء كيف لنا أن نردم هذه الهوة السحيقة في حياة الشباب وهي الإعراض عن القراءة وما هي الآلية التي يمكن وضعها في هذا المجال؟. أجاب الدكتور الربيع: أنا من المتفائلين و الذين يثقون بالشباب لكن الأمر يتعلق باختلاف مصادر التلقي والمعرفة. إذا قصرنا القراءة على الكتاب فهذا ما تعودنا عليه. أما إذا تركنا مصادر القراءة الأخرى وهي التي تتبعها الأجيال الشابة نكون نطالبهم بأسلوب قد يكون لديهم الآن ما يمكن أن يوصلهم إلى المعرفة. وسألت الدكتورة سميرة سمر قندي، ما رأيك في من يقول بأن اللغة العربية في اندثار أو تراجع أو تجاهل أيا كان مايقال ما رأيكم بما يقال؟. أجاب الدكتور الربيع: علينا أن نفرق بين أمرين الأول هو حفظ اللغة العربية من الزوال لأنها لغة القرآن الكريم، وهذا ضمان لاستمراريتها. لكن هذا لا يعني أنها على درجة واحدة من النفوذ والتمكن والقدرة. فعندما نتحدث عن العصور الذهبية كانت العربية هي لغة العالم ولغة الحضارة والعلم والأدب والمعرفة. لاتكمن مهمتنا في التباكي على ذلك، علينا أن ننظر إلى حالنا وواقعنا اللغوي. الكثير منا يتحدث عن قضايا العولمة ومنها العولمة الثقافية ومنها عولمة اللغة، والمثال على ذلك هي اللغة الإنغليزية التي سيطرت. لكن اللغة العربية تملك خصائص وطاقات تملك منها لغة عالمية. وهناك شعوب العالم الإسلامي التي ترغب وتتطلع إلى تعلم اللغة العربية، لأنها لغة القرآن الكريم ولغة الحضارة الإسلامية ولغة الحديث الشريف.