سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السلطان يؤكد أن مستقبل الحجاز في يد أهله ورأي العالم الإسلامي من مواقف الملك عبدالعزيز في مكة
السلطان عبدالعزيز: لايصلحها غير الأمن والسكون وأحذر من نزغات الشياطين
(الحلقة السادسة) يكتبها المؤرخ والباحث : هاني ماجد فيروزي ملخص ما سبق: تحدثنا في الحلقة السابقة عن مدى تأثر الناس بسياسة السلطان عبدالعزيز وإدارته لكثير من الأمور وأهمها استتباب الجوانب الأمنية وهو ما كان يفتقده الناس.. وخاصة حجاج بيت الله الحرام اضافة إلى أصحاب القوافل التجارية والتجار. ان بساطة السلطان عبدالعزيز وتواضعه وسعة صدره وحلمه الذي شمل كل الناس جعله في قلوب الناس وجعلته الأقرب إلى نفوسهم فأيدوه وناصروه.. ولهذا وثقوا في إعلان السلطان وبلاغه الذي جعل عنوانه (لبراءة الذمة) والذي خاطب فيه الضباط والعسكر والجنود والذي التزم فيه السلطان بمساعدة كل من يحضر إلى معسكره بما في ذلك المساعدة المالية لمن يرغب مغادرة الحجاز من الأخوة المقيمين وكان في مقدمة الراغبين الفلسطينيين الذين انضموا إلى الجيش الحجازي. وما نتج من وساطة قنصل بريطانيا بطلب من الشريف علي وعرضه شروط التسليم وموافقة السلطان عليها بعد ادخال بعض التعديلات الطفيفة عليها وما صاحب ذلك من استسلام المدينةالمنورة واستسلام (ينبع) بموجب شروط جدة وأصبحت جدة تحت الإدارة السعودية من مساء يوم الثلاثاء 6 جمادى الآخرة 1344ه 23 كانون أول ديسمبر 1925م واليوم نتابع معكم ما كنا قد بدأناه وبالله التوفيق. جدة تستقبل السلطان عبدالعزيز بعد الحصار الذي عانت منه جدة على مدى اثني عشر شهراً فتحت جدة أبوابها للسلطان عبدالعزيز وتنفس أهالي جدة والمقيمون الصعداء وتهللت أساريرهم عند سماعهم طلقات مدفعية حامية جدة ترحيباً بالسلطان وهو ما أشار إليه صلاح الدين المختار في تاريخ المملكة 2/363 الذي وصل يوم الأربعاء 7 جمادى الآخرة 1344ه إلى الكندرة لينزل في الدار التي أعدت لنزول عظمته وهي الدار الواقعة قرب خط الدفاع الأول. وكان في مقدمة مستقبليه أخاه الأمير عبدالله بن عبدالرحمن ورهط من الخيالة والجنود والمشاة. في تلك الدار بالكندرة استقبل السلطان عبدالعزيز وفود المهنئين وفي مقدمتهم أعضاء السلك الدبلوماسي ثم القطاع العسكري تبعهم أعيان وأهالي جدة وبعض الشخصيات من المقيمين وألقى كلمة المهنئين باللغة العربية القنصل الإيطالي السنيور (فارس) باعتباره أكبر المعتمدين الدبلوماسيين. ويقول أمين الريحاني في كتابه تاريخ نجد 425.. ان كلمة القنصل واضح فيها امتنان دولهم لدخول السلطان بالطريقة السليمة التي حقنت بها الدماء. فرد عليه السلطان بكلمة أوضح فيها إنما كان حصاره الطويل وانتظاره كان هدفه الوصول إلى هذه النتيجة كما شكره السلطان عبدالعزيز المعتمد البريطاني على جهوده ومساعيه المشكورة مقدراً مواقف بلادهم الحيادية. من بيت نصيف يعلن السلطان البلاغ العام لأهل الحجاز في يوم الخميس 8 جمادى الآخرة 1344ه الموافق 25 ديسمبر 1925م أي بعد يومين من مغادرة الملك علي وانتهاء اللجنة المكلفة بانهاء كل المتعلقات بانتقال الإدارة إلى السلطان عبدالعزيز وكان الشيخ محمد نصيف هو رئيس الحكومة المؤقتة المكلفة بتلك الترتيبات والاجراءات ومن بيت (نصيف) أعلن السلطان عبدالعزيز بلاغاً عاماً لأهل الحجاز.. تضمن هذا البلاغ ايضاح الأمور المهمة. وسياسته وإداراته وهذا الإعلان والبلاغ يستحقان الدراسة بعمق ولكل الأبعاد المحيطة ليقف المنصفون إلى ما هدف إليه عظمة السلطان في الوقت الذي تلفت النظر إلى دراسة بعض الأبعاد التي أوجبت الحصار وتخليص الحجاز والتي يمكن معرفتها بناء على ما جاءت في مذكرة الملك عبدالله بن الحسين وما كتبه لأخيه الملك علي ونقله إلينا أمين الريحاني في تاريخ نجد 416 والذي قال فيها (سلموا بضم العقبة ومعانٍ وأنا أضمن لكم من الإنجليز ما يأتي: ثلاثمائة ألف ليرة قيمة قرض، وابعاد ابن سعود حتى تربه والخرمة.. وجعل الخط الحديدي الحجازي رهن اشارتكم) ومن ذلك التاريخ أصبحت معان والعقبة تابعتين لإمارة شرق الأردن. هذا الموقف وغيره من المواقف مما جعل السلطان عبدالعزيز يرفض كل الوساطات ويتابع حصاره حتى بلغ بأهالي جدة الجهد ولقي أهل الحجاز الكثير بسبب التعنت والغرور الذي جر عليهم الويلات وأذاقتهم مر الحروب ولهذا كانوا ينتظرون ساعة الفرج من الله حتى إذا ما تم إعلان بلاغ السلطان بالعفو العام. وبلاغ السلطان العام لأهل الحجاز حتى استقرت النفوس وهدأت الأحوال. ذلك البلاغ الذي نقله الينا خير الدين الزركلي في كتابه شبه الجزيرة العربية 1/349 وما بعدها جاء فيه: بلاغ عام لأهل الحجاز: (من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود إلى أخواننا أهل الحجاز.. سلمهم الله تعالى.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فإني أحمد الله الذي صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأهنئكم وأهنئ نفسي بما منّ الله به علينا وعليكم، من هذا الفتح الذي أزال الله به الشر وحقن دماء المسلمين وحفظ أموالهم، وأرجو من الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه ومتبعي هداه). إخواني تفهمون أني بذلت جهدي وما تحت يدي في تخليص الحجاز لراحة أهله وأمن الوافدين إليه وطاعة لأمر الله قال جل من قائل (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا إلى ابراهيم واسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) وقال تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم). ولقد كان من فضل الله علينا وعلى الناس أن ساد السكون والأمن في الحجاز من أقصاه إلى أقصاه، بعد هذه المدة الطويلة التي ذاق الناس فيها مر الحياة واتعابها. ولما من الله بمأمن، من هذا الفتح السلمي الذي كنا ننتظره ونتوخاه اعلنت العفو العام عن جميع الجرائم السياسية في البلاد وأما الجرائم الأخرى فقد أحلت أمرها إلى القضاء الشرعي لينظر فيها بما تقتضيه المصلحة الشرعية في العفو. وإني ابشركم بحول الله وقوته أن بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة وإني إن شاء الله تعالى سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة ويجلب الراحة والاطمئنان. لقد مضى يوم القول ووصلنا إلى يوم بدء العمل فأوصيكم ونفسي بتقوى الله واتباع مرضاته والحث على طاعته فإنه من تمسك بالله كفاه ومن عاداه والعياذ بالله باء بالخيبة والخسران. إن لكم علينا حقوقاً ولنا عليكم حقوقاً، فمن حقكم علينا النصح في الباطن والظاهر واحترام دمائكم وأعراضكم وأموالكم إلا بحق الشريعة.. وحقنا عليكم المناصحة والمسلم مرآة أخيه فمن رأى منكم في أمر دينه أو دنياه فليناصحنا فيه. فان كان في الدين فالمرجع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان في أمر الدنيا فالعدل مبذول إن شاء الله للجميع على السواء. إن البلاد لايصلحها غير الأمن والسكون لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة.. وإني احذر الجميع من نزغات الشياطين. لا أراعي في هذا الباب صغير ولا كبير وليحذر كل انسان أن يكون العبرة فيه لغيره هذا ما يتعلق بأمر البلاد الحاضر وأما مستقبل البلد فلابد لتقريره من مؤتمر يشترك المسلمون جميعاً فيه مع أهل الحجاز لينظروا في مستقبل الحجاز ومصالحه. وإني اسأل الله أن يعيننا جميعاً وأن يوفقنا لما فيه الخير والسداد وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم. تحريراً في جدة في 8 جمادى الآخرة 1344ه عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل السعود البلاغ العام.. أثره وانعكاساته إن لغة هذا البلاغ جاءت مختلفة عن لغة الخطابات السابقة التي وجهها أو التي ألقاها في مكةالمكرمة. وإن جاءت جميعها لتؤكد على محاور سياسة السلطان عبدالعزيز والتي تمحورت حول مرتكزين أساسيين هما الأمن والاستقرار في البلاد المقدسة وتأمين طرق الوافدين، وأما المحور الثاني ما أكده السلطان مراراً أن ما قام به ليس طمعاً في السيطرة على الحجاز لأن مستقبله يخص أهل الحجاز ورأي العالم الاسلامي لأهمية هذه العلاقة في تيسير سبل الحج. ان المحلل السياسي يجد في البلاغ مرتكزات أساسية يمكن تلخيصها في النقاط التالية: أولا: التأكيد على مستقبل الحجاز بيد أهله ورأي العالم الإسلامي. ثانياً: إعلان العفو العام عن الجرائم السياسية.. وهو العفو المرتبط بسماحة السلطان ورؤيته للأشخاص. ثالثاً: إحالة الجرائم الأخرى إلى الشرع والتأكيد على أهمية الشرع الحنيف. رابعاً: ايضاح الحقوق والواجبات بين الراعي والرعية. خامساً: الأسلوب المرن في التلويح بالعقاب لمن يخالف مما أنذر منه، ليكون ليناً في غير ضعف وقوة من غير عنف. هذه الأمور انعكس أثرها على الأهالي الذين تجاوبوا معها لمواجهة المستجدات التي عليهم مواجهتها لتقرير مصير الحجاز خاصة وأن السلطان عبدالعزيز عازم على استكمال مشروع مؤتمر مكة الإسلامي، الذي يكون للعالم الإسلامي رأي في مستقبل الحجاز.