درج الناس على اختلاف ثقافاتهم وتخصصاتهم واهتماماتهم على أن يطلقوا كلمة (جديد) على كل شيء يرونه لأول مرة او انه لم يستعمل من قبل ومازال بحالته التي صُنع عليها فنقول هذا الثوب جديد لأنه لم يلبس بعد، وهذه الفكرة جديدة لأن أحداً لم يطرحها قبل ذلك، وهذا الطريق جديد لأنه لم يكن موجوداً من قبل، وذلك بغرض التفرقة بين هذا (الجديد) وما كان موجوداً وقائماً بالفعل، رغم ان هذا الشيء الذي نطلق عليه جديداً قد لا يختلف كثيراً عما هو موجود او مستخدم بالفعل، اللهم الا اذا كان هناك اختلاف في الشكل، او في كونه لم يخضع للاستخدام بعد، اما الجوهر والمحتوى فكما هما دون ادنى اختلاف. ولكن الملاحظ ان كثرة استخدام كلمة (جديد) في مختلف التعاملات بين الناس، وشيوع اطلاقها على أي ظاهرة يراها الناس او يتعاملون معها لأول مرة، وانتشارها في الخطاب الاعلامي عبر و سائل الاعلام العربية والاجنبية، افقد الكلمة مدلولها ومعناها، والتبس المعنى على القائل والمتلقي، على حد سواء، ولم يعد مفهوماً هل هذا الوصف يطلق على الشيء المعني، لأنه لم يكن موجوداً من قبل او لانه هو نفس الشيء الذي يعرفه الناس لكنه لم يستخدم بعد، أو لأنه يحمل شيئاً جديداً بالفعل، ليس مهماً شكله والهيئة التي ظهر عليها، ولكن المهم محتواه ومضمونه وما جاء به من فائدة لجموع المستفيدين. ولعل ما يصدق عليه هذا القياس هو مصطلح (الإعلام الجديد) الذي تداولته الاقلام والألسنة في وسائل الاعلام المختلفة وتناولته ادبيات البحث العلمي، في محاولة لتأصيل جذوره ومضامينه واستشراف مستقبله، لكن المصطلح رغم كل ذلك ظل عصياً على الاستيعاب، لأن لا احد من الذين تصدوا لتعريف دلالته قال لنا لماذا هو جديد؟ هل لأنه جاء بعد الاعلام القائم والموجود، الذي اصبح امامه قديماً ام لأنه جاء بشكل مختلف وهيئة مغايرة واساليب تقنية حديثة تختلف عن مثيلاتها المستخدمة بالفعل، ام هو جديد لأنه يحمل افكاراً ومضامين ورؤى جديدة، مستفيداً من التقنية الحديثة وآلياتها في خدمة مستهلك ذكي وقادر على التفرقة بين (الأصلي) و(المغشوش) بين الجديد الذي هو مجرد تغيير في الشكل والهيئة، بينما المضمون ضعيف وقديم ومتهالك، والجديد الحقيقي الذي يعلي من قدر الانسان ويحمل له قيمة جديدة تدفعه للأمام. في ضوء ذلك ارى أن ما ينبغي ان نتوافق عليه هو ان المسمى يفقد قيمته ومدلوله اذا كان أجوف خالياً من المضمون، وأن هذا المضمون ولا شيء آخر سواه، هو الذي يحدد ما اذا كان الذي نراه ونتعامل معه جديداً بالفعل، أم انه مجرد اطار شكلي جميل وبراق يضم افكاراً ومضامين بالية يعاد تدويرها او استنساخها بدعوى التطوير او التحديث. المضمون الجديد الذي يحقق صالح الانسان ورخاءه وسعادته ويفتح أمامه آفاق العلم والمعرفة، من أجل بناء حاضره ومستقبله سواء تخفى هذا المضمون في عباءة الإعلام الحديث، أو الاعلام المعاصر، أو الاعلام الجديد!.