لم يرتح المعلمون , ولهم العذر, بمسألة امتحان القياس للمعلمين واعتبروا ان ذلك الأمر يحط من قدرهم ويفضحهم أمام طلابهم خصوصا وقد بلغ عدد الراسبين من المعلمين بحسب ماذكرته الصحف بالآلاف. والواقع يقول ان لدينا معلمين ممتازين ومعلمين جيدين ومعلمين لابأس بهم ومعلمين لم يجدوا وظيفة غير التعليم . وأنا من الكارهين لمسائل الاختبار والقياس بأي شكل وأي طريقة فقد عانيت منها الكثير من بداية طفولتي الى نهاية كهولتي مرورا بمرحلة الشباب, ولهذا فانني اعتبر العودة الى الاختبارات بعد التخرج , مثل العودة الى الفقر بعد الغنى أو العودة إلى المرض بعد العافية. ويقول التاريخ ان تقييم المعلمين ليس حدثا جديدا, وان فشل المعلمين فيه ليس بالمسألة الشاذة, بل أن الأمر يعود في قدمه الى العصر العباسي فلقد ذكر ياقوت في معجم الادباء ان الخليفة الواثق قال لبكر المازني النحوي : ان هنا قوما يختلفون الى أولادنا فامتحنهم فمن كان منهم عالما الزمناهم اياه ومن كان بغير هذه الصفة قطعناهم عنه قال : فامتحنتهم فما وجدت فيهم طائلا, وحذروا ناحيتي ( أي خافوا مني ) فقلت لهم لا بأس على أحد منكم , فلما رجعت الى الخليفة قال : كيف رأيتهم فقلت : يفضل بعضهم بعضا في علوم, ويفضل الباقون في غيرها وكلٍ يحتاج اليه فقال الخليفة الواثق : اني خاطبت منهم رجلا فكان في نهاية الجهل في خطابه ونظره فقلت : يا أمير المؤمنين, اكثرهم بهذه الصفة , وقد انشدت فيهم: ان المعلم لايزال مضعفا ولو ابتنى فوق السماء سماءا من علم الصبيان اضنوا عقله مما يلاقي بكرة وعشيا والمعلمون اليوم يشتكون من كثرة الطلاب وازدحام الفصول ولكن ذلك لم يبلغ ازدحام الطلاب في ايام الدولة الاموية فقد ذكر ياقوت الحموي أن المفسر النحوي الضحاك بن مزاحم كان يؤدب الصبيان وكان في مكتبه ثلاثة آلاف صبي وكان يطوف عليهم على حمار, ولا اعتقد ان فصلا من فصول هذا الزمان ولا حتى مدرسة من مدارسه ستبلغ مثل هذا العدد العظيم. وقد قلت هيبة المعلمين في زماننا بعد تجريدهم من سلاحهم التاريخي وهو العصا فتطاول عليهم الطلاب وأصبح المعلم يخاف من الطلاب على نفسه.. وعلى سيارته. وتدهور الحال أكثر بعد فشل المعملين في امتحانات االقياس , الذي جردهم من سلاح الهيبة بعد ان تجردوا قبلها من سلاح الرهبة وهو العصا ولو تسربت اسماء المعلمين الراسبين الى الطلاب فسيصبح المعلمون اهون على الطلاب من الذباب. اذا اردنا للعملية التعليمية ان تستمر بانسيابية ونجاح فليس امامنا الا خياران اما اعادة العصا او ما هو أشد من العصا واما الغاء اختبار القياس للمعلمين.