في إجابة لسؤال طَرح من قبل قارئة متابعه لمقالاتي الأسبوعية. عن رأيي في هوية المرأة المسلمة وكيانها الجوهري بين العمل والتربية وبين ما يدعو له بعض السيدات من حقوق المساواة الوظيفية وغيرها , فوجدته موضوعاً جلياً حيوياً يستحق الطرح والمناقشة الجماعية خاصة بعد الدعم القوي الذي تشهده المرأة السعودية في ساحات العمل الخارجية. إن ديننا الحنيف كرم المرأة , وأشاد بدورها القوي في صناعة الأجيال والأمم ؛ فهي الأم التي تربي وتعلم وتلقن وتغرس أصول المفاهيم وعادات المجتمع والقيم , وهي المنبع الأساسي والأول الذي يستقي منه الفرد أول خبراته ويصنع من خلالها طموحاته وتوجهاته ويبني من خلالها آماله وتطلعاته. ومن منطلق ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال دور المرأة في بناء المجتمع وبناء الشخصيات فيه سواء كانت سلبية أو ايجابية , فدورها في التربية والتوجيه يفوق دور الرجل بمراحل كونها أمّاً وأختاً وزوجة وقد أودع الله في كيانها الجوهري ميزة ربانية فريدة تجعلها أكثر استعداداً للعطاء في مختلف المجالات وفي آن واحد. وصدق أحمد شوقي شاعرنا العريق عندما قال (الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعبا طيب الأعراق) , فكيف يكون لدينا في مجتمعنا أفراد ناضجون على وعي بمتغيرات الحياة وأحداثها الضاغطة ويمتلكون من المؤهلات ما يمكنهم من تحقيق الثبات والاستقرار رغم رتم الحياة السريع والمتجدد إن لم يكونوا قد تلقوا العناية الكاملة والاستعداد النفسي لذلك منذ السنوات الأولى في حياتهم . فمهمة المرأة التربوية تكون في أوجها خلال السنوات الخمس الأولى , وهذا لا يلغي أهمية دورها في باقي المراحل النمائية المختلفة , ولكن الدراسات العلمية أثبتت أن شخصية الإنسان ترتكز على ما يتم غرسه خلال تلك السنوات , وأن ما يظهر عليه بعد ذلك ما هو إلا نتاج لما قُدم له منذ طفولته. وفي شأن العمل الخارجي فقد مُنحت المرأة في مجتمعنا السعودي العديد من الفرص العملية التي تحفظ لها ما متعها الله به من مميزات جوهرية ؛ وتراعي به كيانها وأنوثتها ؛ وتحقق به تطلعاتها وآمالها ؛ وقد قيد الله لوزارة العمل من يحمل على عاتقه الهموم الوظيفية والعملية للمرأة ويجعلها من أهم الأمور التي تتصدر قوائم الخطط التطويرية والتنفيذية. والجدير بالذكر أنه يجب التوقف عند مجموعة من الحيثيات التي تشير لها بعض السيدات في دعوتهن لحقوق المساواة في العمل والفرص الوظيفية مع الرجل , فليس من المنطق أن تتساوى سائر الفرص الوظيفية في مختلف المهن العملية , فهنالك طبيعة عملية تناسب الرجل وحده دون المرأة , فأي مساواة التي تدعو بأن تعمل المرأة ناقلة للخشب والطوب , أو بناءة في المساكن , أو تعمل في حفر الآبار وتجديد الأنفاق أو إصلاح المباني وتوسعة الطرقات مثلا؟!. كما ينبغي الإشارة إلى أن العمل الخارجي هو احد التحديات التي تخضع لها المرأة في المجتمع المعاصر , ولعل عملها يصنع لها نافذة تسد بها حاجاتها الاقتصادية والاجتماعية والتربوية في كثير من الأحيان . فلا ضير أن نتطلع لمستقبل مهني رائع ومساواة وظيفية راقية مع الحفاظ على ما يكتنف طبيعة المرأة من خجل وحياة وحشمة وهبها الله إياها. وقفة لنرتقي: يقول الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا فلما جاء الإسلام ، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا).