إن التغير الاجتماعي والاقتصادي ؛ والانفجار المعرفي والعلمي ؛ والحراك الثقافي والإعلامي الذي يمر به المجتمع المعاصر قد أدى إلى تغير في الهوية الإنسانية والنسق القيمي لدى الفرد في مختلف المجتمعات , فقد أصبحنا في عصر الضغوط والأزمات النفسية والتحولات السريعة والعميقة في الحياة البشرية. ومن الحقائق التي استقرت لدى المجتمعات في الآونة الأخيرة والتي تنص على أنه من النادر أن يعصم الفرد نفسه – مهما أوتي من قوة – من التأثر بتلك الضغوط , هذا وأنه عندما نشير إلى مصطلح الضغوط يعني أننا نلقي الضوء على أكثر من سبب يؤدي بالفرد إلى التوتر والقلق والتعب والتجنب الاجتماعي وضعف الكفاءة الإنتاجية وضمور الإنجاز العلمي والعملي الإرادي وغير الإرادي , وقد يكون ذلك في فترة معينة أو على فترات مختلفة ومتقطعة. ولعل التغير الذي يطرأ في هذه الحياة يبعدنا بشكل أو بآخر عن التوازن النسبي مما يجبرنا على المواجهة لمصادر الضغوط وذلك في محاولة سريعة لحلها والتخلص منها. وتتطلب تلك المواجهة نوعا من التوافق وإعادة التكيف مع الأشخاص والبيئة الخارجية , لذا يمكن اعتبار تلك المواجهة ظاهرة إنسانية خالدة تستلزم تفاعل الفرد وصموده وإحجامه عن الإهمال أو الهروب أو الاستسلام. ويمكننا القول أن الفروق الفردية الربانية التي جعلت من البشر متفاوتين في الصبر والقدرة على تحمل المشاق والصعاب تعلب دورا كبيرا في تصنيف الأفراد في أساليب مواجهة الضغوط كما تلعب دورا كبيرا في تقسيمهم ما بين صبور ومتضجر وما بين راضٍ وناقم. من ناحية أخرى ينظر بعض علماء النفس إلى الضغوط باعتبارها بهارات الحياة حيث يمكن أن ننظر إلى الفرد الذي يتميز بمستوى توافق شخصي مرتفع ، بأن لديه القدرة على مواجهة الضغوط العادية بل وقد يستمتع بها ، وبذلك فهو يؤكد على أنها إيجابية ومفيدة. وهو يشير بشكل ضمني إلى أن هذا النوع من الضغوط يعطي إحساسا بالقدرة على إنجاز الأعمال السريعة والحاسمة ، فهي بمثابة حوافز إيجابية لما لها من تأثير نفسي عند شعور الفرد بالإنجاز وما يجلبه ذلك من شعور بالسعادة والغبطة والسرور ، وبالتالي فليس لها أضرار على صحة الفرد ونفسيته , كما يرى هذا النوع من العلماء ( أن حياة الفرد قد تكون مملة وراكدة , وأن الفرد بدون ضغوط أشبه ما يكون بالسيارة بدون وقود ). وفي نظرة سريعة لكيفية التخلص من الضغوط وآفاتها الرديئة وأثارها السلبية ؛ ينبغي على الفرد أخذ قسط من الراحة والاستجمام , ثم توجيه الاهتمام إلى مناطق القوة لديه , والانصراف عن رؤية الأمور بمنظار تشاؤمي سوداوي , والعزم على الخروج من المشكلات المحيطة وإن كان مؤقتا فذلك يساعده على التفكير الإيجابي المنظم , كما ينمي قدراته على اتخاذ القرار والاستفادة من النصائح والحلول المطروحة والتصورات البديلة الموجودة في الموقف الحالي. هذا وإن التدريب المستمر على التفكير بأسلوب علمي موضوعي بالإضافة إلى العمل على تنمية مهارات السلوك الحازم والاتصال البشري له دوره الفعال في التحصين ضد الضغوط والمشكلات على مختلف أحجامها وأبعادها. وقفة لنرتقي : يقول الشافعي رحمه الله : يريد المرء أن يعطى مناه... ويأبى الله إلا ما أرادا قول المرء فائدتي ومالي... وتقوى الله أفضل ما استفادا ولرب نازلةٍ يضيق لها الفتى... ذرعاً وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها... فرجت وكنت أظنها لا تفرج