أحياناً يتحيّرُ العروضيون . وحتَّى إن تكنْ طِيناً ومن عَظمٍ ومن لحَمٍ وأنَّك قارئُ الأفكارِ أنَّكَ بالِغُ العِلْمِ ستجهلُ من أنا من أنت في دوَّامة العُمْرِ ؟ طيوفٌ نحنُ أم أسرى لعصرِ الرَّيبِ والنَّمِّ فلا تدري ولا أدري عن المخبوءِ في الدَّهرِ جميعاً نحن أغرابٌ نُداري الهَمَّ بالوهمِ ولولا الصَّبرُ والنسيانُ ماتَ الناسُ بالغمِّ وكان مصابُ هذي الأرضِ فقدَ النَّسلِ والعُقْمِ لقد شاءت لنا الأقدارُ ما شئنا بأنْ نأتي لِنحيا الدَّهرَ بالبغضاءِ والشَّحناءِ والغُرمِ عداواتٌ وأحقادٌ بها الشَّيطانُ كم يُغري ولو عفَّتْ نُفوسُ الخَلْقِ لارتاحتْ من الهَمِّ فَدَاءُ المينِ في الجُهَّالِ والأرذالِ يَستشري يقودُ إلى الصراعِ المرِّ بينَ الخصمِ والخصمِ نَظنُّ الطِّيبَ في الأيام يُجدي وهوَ لا يُجدي فما لولائدِ الإنسانِ غيرُ الحُزن والإثمِ ولن تَلقى الذي يَرضى بحكمِ الصَّبرِ في العُسْرِ ولا من أبدلَ الثاراتِ بالإيثارِ والحِلمِ فمغرورٌ بلا علمٍ ومدفوعٌ إلى جُرمِ وأكثرُ ما يُثيرُ الشّّرَّ قولُ الزُّورِ والشَّتم تأنّي أيُّها المُلتاعُ حين تَنوءُ بالقهرِ وعِش بالحكمةِ العصماءِ خُذْ باللينِ والحَزمِ ولا تمضي إلى الدُّنيا بغيرِ الرُّشدِ والعَقلِ فقد تمضي إلى الويلاتِ والخَيباتِ والذَّمِ دعِ الأيامَ بالعلاَّتِ إن لم تهتدِ استهدِ فما أنت الذي تقوى صلاحَ الأرضِ والنَّجمِ تَماهَى شاهقُ العُمرانِ في الصحراءِ والمُدْنِ وإن طابت مغانيها تُدمِّرُها يدُ الهَدمِ وإن قدَّرتَ أو فكَّرتَ راعَ زمانُك المُزري وأجدى للفطينِ الفذِّ أن يسمو عن الفَدمِ فشرُّ النَّفسِ يُصليها لظى الأنكالِ والضُّرِّ وخيرُ النَّفسِ يجزيها على الإحسانِ والسِّلمِ تأملتُ الزَّمانَ المرَّ بين المَدِّ والجَزرِ وما قد خِلتُهُ يُبهي غدا من قبحِهِ يَعمِي وألفيتُ الأنَامَ اليومَ لا ناجٍ ولا مُنجي كأنَّ الأرضَ طُوفانٌ يسوقُ النَّاسَ لليَمِّ ولا مَنْ يَحمِدُ الدُّنيا ولن تلقى الذي يُثنِي شكى الشَّاكِي بكي الباكِي وكلُّ حياتِهم تُدمي تراءى الحشرُ في الدُّنيا وكلٌّ قالَ يا نفسي لقد فرُّوا من الآباءِ والأبناءِ والأُمِّ وهذا الدَّهرُ سجّانٌ وهذي الأرضُ كالسِّجنِ وقد ضِقْنَا من الأغلالِ والتَّشريدِ والعُدمِ فكم عُذنا من الأوهامِ والأشجانِ والغِلِّ وكم للموتِ أجالٌ وترحالٌ عن السُّقمِ أضاءت حُسنَها الغبراءُ في إشراقةِ السِّحرِ وبعضُ نسائمٍ هبّت من الأنداءِ تَستهمي وتَشْغَلُنَا ثوانينا لكي نعتاشَ بالجَهدِ فما تصفو ولا نصفو ونحيا العمرَ بالرُّغمِ ونسخرُ من تعنِّينا وجمعِ المالِ والبخلِ ويومَ فِراقِنا لا شيء يتبعُنا من الغُنْمِ فما أقسى نيوبَ الفقرِ تُردي والنَّدى يُحيي وبعضُ الجودِ إيثارٌ وبعض الجود للإسمِ وما لِحياتِنا معنى سِوى الإيمانِ والحمدِ لِخالقنا وبارئنا ومن يَسقي ومن يُظمِي سنا آياتِهِ إبداعُ هذا الكونِ والخَلْقِ ومِنْ إعجازِهِ خلقُ العِقولِ وقلَّةُ الفَهمِ تمنَّّيتُ الرِّضا يَشفي قلوبَ الجورِ والحقدِ ترى للعدلِ إنصافاً وسيفاً دائمَ الحَسمِ وتعرفُ أنَّ للإحساسِ ما يُهنِي وما يُضني وما عشنا حقائقَهُ وما نحياهُ كالحُلمِ أنرْ عينيكَ بالتَّقوى وقلبَكَ مُرْهُ بالحُبِّ ترى الآمالَ ضاحكةً تُضيءُ مجاهلَ العُتمِ فماذا يرتجي الإنسانُ في الدّنيا سوى الأمنِ يُذيب غِلالةَ الأحزانِ في الأنواء والغيمِ تغرِّدُ حولهُ الأطيارُ بالتّرنيمِ والشَّجوِ يَمرُّ على السُّروحِ الخُضرِ في إطلالةِ الوسمِ يُعطِّرُهُ أريجُ الزَّهرِ والنُّوارِ والرَّندِ يطوفُ بدوحةٍ غنَّاءَ ينظرُ رِقَّةَ الرئمِ يخالُ الغيد من أوكارها خرجت كما الوُّرْقِ تهيمُ بِهِ وتوهمُهُ بأنَّ القصدَ للكرْم فيَطوي الهَمَّ بالنِّسيانِ طيَّاً في ثرى الأمسِ فليس الوادعُ الجذلانُ كالمملوءِ بالشُّؤمِ أليمٌ حظُّهُ الفنّانُ بين مدائنِ الرَّفضِ يُصارعُ قسوةَ الخذلانِ بالأشعارِ والرَّسمِ يُحِيلُ البؤسَ أنواراً كما الأقمارِ والشَّمسِ يُصوِّرُ مِنْ سنا الإلهامِ آياتٍ من النّظمِ يرودُ سوالفَ الذِّكرى بشوقِ المُدنفِ المَضْنِي ونزفُ فُؤادِهِ أضحى على الأوراقِ كالوشْمِ تقضَّانا الشِّقاقُ وعاشَ شانئُنا على المَقْتِ قلوبٌ أنبتَتْ في الوحلِ شوكَ المكرِ واللؤمِ فكيفَ مَضاربُ السَّلوى غدت أطلالُها تبكي ؟ وكيفَ سواعِدُ الأحبابِ صارت للعدا تَحمِي ؟ ترامى العصرُ والإنسانُ في مُستنقعِ الرِّجسِ كأنَّ مكارِهَ الدُّنيا بكلِّ شُرورِها تَرمي وحسبُكَ أنَّها دنُيا وفيها كلُّ ما يُخزي ألا لو تَستحي انتحرتْ بمنقوعٍ من السُّمِّ أو انفجرتْ بِكوكبِها فما تَبْقَى ولا تُبقِي ولا مَنْ يكتوي بالفقدِ أو يلتاعُ باليُتْمِ دموعٌ كلُّها الدُّنيا وتضحكُ عندما تُدهي فما صانت مواثيقاً ولا تأسى على قومِ رمت من غدرِها الأجوادَ بعد النُّبْلِ بالنَّبْلِ لأنَّ السوءَ فطرتُها غدت معشوقةَ الجُرِم كروبٌ تحملُ البلوى تُصيبُ الخلقَ بالذُّعرِ لذا فالأرضُ يا مولايَ قد ضجَّتْ مِنَ الظُّلمِ