تعد المكتبات من أبرز علامات ازدهار الأمم ووسيلة من وسائل رفعة الإنسان وتقدمه ولأهميتها أطلق عليها الحكماء القدماء اسم ( صيدلية الروح).. وخلال سنوات الابتعاث للدراسة الجامعية والعليا في الولاياتالمتحدةالأمريكية حرصت كثيرا على أن ارتياد عدة مكتبات عريقة تتميز بمساهماتها القيمة في إثراء الزاد الفكري.. أقرأ وأتابع وأقيس وأفكر وأبحث.. ومن هذه المكتبات : مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بمدينة الرياض خلال تواجدي في الوطن ومكتبة الكونجرس خلال تواجدي في مقر دراستي وذلك للنهل من معين برامجهما الثقافية والعلمية والخدمية التي يتفاعل معها الباحثون والمثقفون.. ومن المعروف أن عمل الأبحاث والدراسات الأكاديمية جهد شاق ومؤلم.. إلا انني وجدت بالخصوص في هاتين المكتبتين الأمل والبحث المجدي المفيد ونزهة الروح والتفوق كذلك. لاغرو أن قلت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تأتى ضمن شبكة المكتبات العالمية الرائدة ومن ابرز المكاسب الثقافية التي تحققت في المملكة.. هذه المؤسسة الخيرية المباركة التي أنشأها ويرعاها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود،الرئيس الأعلى لمجلس إدارتها في الخامس من رجب عام (1405ه/1985م)، وافتتحها -أيده الله بعونه وتوفيقه- في العاشر من رجب (1408ه) الموافق (27/2/1987م). وكان الهدف من إقامة هذه المؤسسة الخيرية ، توفير مصادر المعرفة البشرية وتنظيمها وتيسير استخدامها وجعلها في متناول الباحثين والدارسين. وللمكتبة اهتمام مميز بتوثيق تاريخ المملكة العربية السعودية وتاريخ الملك المؤسس يرحمه الله.. كما تبذل المكتبة جهدها لرصد التراث العربي والإسلامي والإسهام في إحيائه وإخراجه بما يلائم روح العصر، كما تسهم في خدمة المجتمع من خلال إقامة الندوات والمحاضرات والمعارض والمشاركة في المناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية ، ودعم حركة البحث العلمي والتأليف والترجمة والنشر، وتنمية ثقافة الطفل ، وتوفير خدمات المعلومات للمرأة ، وتبادل الخبرات مع العديد من المؤسسات المماثلة والمراكز العلمية لمزيد تنويع أنشطتها العلمية والثقافية. إن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تقوم بدور ثقافي فاعل في المجتمع وتزخر برصيدا هام ومتنوع من الوثائق القديمة والنادرة سواء منها المخطوطة أو المطبوعة.. كما أنها تعد من أحدث المكتبات من ناحية التقنيات التوثيقية والاعتماد على المواصفات والمقاييس العالمية وتعد المكتبة حقا وحقيقة أمينة العلم والمعرفة والثقافة التاريخية.. حيث ملايين الأوعية والمقتنيات والزوار ومئات الفعاليات وفضاءات الحوار بين الحضارات والثقافات.. من الندوات والمؤتمرات العلمية إلى المعارض المحلية والدولية والإصدارات وتسعى المكتبة إلى تحقيق الجودة والامتياز في أساليب عملها وتقنيات حفظها.. كما وتجاوزت هذه المكتبة الطيبة المفهوم التقليدي للمكتبة المعروف بخدمات المطالعة والإعارة أو في أحسن الحالات بمراكز ثقافية للترفيه والتربية والإعلام.. إذ قامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بتنفيذ عدة مشاريع منها : جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة ، ومشروع الفهرس العربي الموحد ، وموسوعة المملكة العربية السعودية ، والمشروع الوطني الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب ، ونادي الطفل بالإضافة إلى اهتمامها بمشروع العملات والكتب والوثائق والصور والخرائط النادرة. فهنيئا للوطن بهذا الإنجاز المعنون والعلامات المضيئة في كتاب الوطن، وهنيئا لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة وجميع رجالها المخلصين وعلى رأسهم معالي المشرف العام الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر هذا التميز والعطاء وصدق الانتماء ولما تبذله المكتبة من جهود في سبيل النهوض برسالتها على أفضل الوجوه وأكملها.. إننا لا بدّ من أن نثمن منجزنا والجهود التي تبذل في كل يوم لترسيخه والبناء عليه فالتنمية عملية بناء مستمرة وحقيقية وينجح فيها المنتمون بقوة إلى بلدهم، ويقومون بدورهم بصمت وصبر وتفاؤل وبفكر المواطنة والقدرة على المبادرة ويتطلعون فيه إلى الأفضل في رفع مستوى وطن لا يطمح إلى أقل من التميز خاصة في إنسانه ومستقبله كما أرادت له قيادته الرشيدة الحكيمة.