انتفض قلبه من شدة العطش للحنين السخي الذي يبحث عنه ولا زال يجهل مكانه في زمن تسللت فيه الظلمة بعمق لزج على كل تلك التجاعيد الجميلة تلك التجاعيد التي لاتملك إلا أن تتمرغ في حزنها وتتكئ فقط على أطلالها فخجل قد طغى على ملامح وجهه وهو يناظرها بتوحد مع نبضات مضغته فقد كانت دفوف قفصه الصدري تقفز إلى تلك المياه المضطربة والهائجة من محيط أحلامه . توّغل معها في كل مرة إلى هوادج الصبر فازدادت علقمية مذاقه في فمه فهي قد تحسن الركض وذلك ماكان يجهله أو بالأحرى ماكان يفتقده .. حينما تتوشحه بغرورها تبرق في سمائه اصداء رماله المتحركة فتراه كطفلٍ رضيع هجرته أمه في ليلة ناعسة وأبحر يتخبط وحيداً بعطش جائع ويحن لما تعود عليه وأحياناً كثيرة لاتقوى قدماه على حمله وهو لايستطيع أن لايحمل شالها المزركش بل دائماً هي في ذكراه فحاجته إليها لاتحددها معالم الزمن الأول من تلك الأبعاد الثلاثية الحاضرة لديه أو حتى ماكان يشتهيه من سيمفونية البعد الرابع لغده المشرق والتي كانت تضرب على خياله بحزن راكد كشعور المنتظر لطرق أبواب اللهفة حينما تغادر أصابعها إلى مساحة النسيان .. يتوجس خيفه مما قد يعتريه من غدرها فتأخذه في أوقات متأرجحة مابين الغسق وماقبل الفلق وأحياناً مترنحة قبل الشفق وبعده فيتبصّر الدنيا بألوان مختلفة . ألوان قد ضاق أخيراً ذرعاً بها إلى درجة الضجر فقد عاتبها مراراً دون جدوى وهي تتلوى بغبطة سعيدة على ظلال الوقت فإحساسها به كان عديماً إلى درجة الشلل الكلي فقد نذر نفسه لعقد معاهدة الواجب في كل ماتتحلى به مبادئه وأعرافه وتقاليده من سمو ورفعه وخلق قويم فقد جُبل على ذلك منذ نعومة أظفاره فهو دائماً يكتنز بين آهاته حبه الدفين لكل بني البشر لافرق لديه بين من يملك تلك الأوراق الملونة أو المزيفة ومن يملك فقط تجاويف قفصه الصدري ومادونه من نُدب تكالبت عليها قسوة الأيام فأدخلتها عنية في كيس جلده على النقيض ممن يملكها فتراها بارزة على رمل تلك القرية التي اصابها مطر العذاب فنامت بكل قلق في تجاويف النسيان .. من يسيطر عليها يعلم ذلك فهو عند غناه يفرق بين من ضجر من غجريته طائشة الضفائر ولديه مايسد رمقه أو ربما أكثر وبين من يعشقها حتى الموت لأنها جادت عليه بعد مشيئة الله بكل ماتتمناه حواسه وأطرافها فمن يقبع في دائرة الحلقة الأولى يشد على يديه بتذمّر وكأنه يتمنى لها الهلاك مع أنه لايعيبه شيء في هذه الفانية إلاّ غنى نفسه وثبات عصاميته .. أما من كان يتربع داخل إطار الحلقة الأخرى أو قريباً منها أو من فيها فتراه وهو عاجزٌ على فراش مرضه مستميت يشد على يده وكأنها قطعة منه أو ربما امتداد طبيعي ليده وسبب هذا الحب النازف من شرايين داء النفاق والرياء لالبس فيه فهو يملك ما يملكه وإذا كان أكثر ازدادت بشاشة الوجه وتغيرت ملامحه إلى درجة قد لاتعرفه فيها فالحنان والطيبة والتسامح تنسدل على قناعه الذي سرعان مايغيّره إذا قابل الضاجر من غجريته لأنه يملك مالا يملك أو بالأحرى لايملك مايملكه ذلك العاشق الولهان من دنياه العاطبة فهو لم يقطب فيه حاجباه فقط بل هي الأخرى غدرت به وهي غاضبة منه دونما سبب ولكن لم ولن يساومها فيما جُبل عليه وتلك لعمري ناصية وفائه وقمة شموخ إنسانيته في زمن يحتضن صرخة ذعرها وضربة سوطها بوجه باهت عارٍ ملامحه مرعبة كتقاسيمها الضائعة والمقنعة بالغرور والعبث والفناء !!! . ومضة :- من شعر لطفي حداد : انتصف الليلْ وصار رأسي صاخباً كالسيلْ وأمتطى صهوة أفكاري الهذيانْ أمسكت القلمَ المنهكَ التعبان وبدأت أكتب .. أشعر أني كبسمةِ طفلٍ إِفريقي تولدُ ثم تموتُ ولايحس بها إنسانْ