كان يجب أن يكون مقالي لهذا الأسبوع عن (الحج قديما وحديثا الجزء الثاني، لكنني أردت أن أشارك القارئ ببعض المواقف التي مرت بي خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث كان برنامج يوم الأربعاء الماضي أن أذهب مع أخي الأستاذ منصور أبو منصور عضو شرف نادي الوحدة إلى مقر النادي للإدلاء بأصواتنا لأحد المرشحين لرئاسة نادي الوحدة، لكن وعقب صلاة الظهر طلبت مني والدتي أن نذهب لزيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينما كنت أجهز سيارتي في الثانية بعد الظهر لننطلق إلى المدينةالمنورة، وصلني اتصال من أخي الأستاذ خالد سابق يسألني لماذا لم أذهب للنادي للإدلاء بصوتي، فقلت له بأنني سأمر على النادي وأنا في طريقي إلى المدينة، وكذلك فعلت، وعند وصولي للنادي كان في النادي عدد لا بأس به من المحبين، فشاهدت الأستاذ خالد سابق، كما كان الأستاذ جمال تونسي يقف عند مدخل النادي يستقبل الناخبين، فسلمت عليه، كما شاهدني الأستاذ عابد شيخ الذي أخذني وقال لي لا تنسى أن تصوت لجمال تونسي، وكذلك فعل من يريدون أن أعطي صوتي للأمير عبدالله بن سعد. المهم أنني انطلقت بعدها إلى المدينةالمنورة، التي لم تكن في جدولي لذلك الأسبوع، وفي منتصف الطريق إلى المدينةالمنورة، هطلت علينا أمطار غزيرة جدا، لم أشاهد لها مثيلا طيلة سفري إلى المدينةالمنورة خلال الخمسين عاما السابقة. فكنا بالكاد نرى الطريق أمامنا. واستمر هطول الأمطار لمسافة عشرين كيلومترا تقريبا، ثم اختفت الأمطار خلفنا!!. وصلنا المدينةالمنورة قبل مغرب يوم الأربعاء، وصلينا المغرب والعشاء في المسجد النبوي، ثم ذهبت إلى المواجهة للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وكنت كلما وقفت أمام المواجهة، استشعر وجودي أقف أمام حجرة عائشة رضي الله عنها، التي تضم القبور الثلاثة، وأتصور كيف كان صلى الله عليه وسلم يصلي قيام الليل في تلك الحجرة، فإذا أراد أن يسجد غمز رجل السيدة عائشة، فتأخذ بساقيها بعيدا عن موضع سجوده صلى الله عليه وسلم، وإذا رفع من سجوده مدتهما... يا الله.... كم كانت مساحة تلك الحجرة، التي لا يستطيع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد إلا إذا جمعت رضي الله عنها قدميها!!. وهو نبي الأمة، أفضل الخلق!!. كما أستشعر كم وكيف كان الوحي يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحجرة، وكم من الأحاديث انطلقت منها، وكم من حدث وقع فيها، واستشعر نور الهداية الذي كان يشع منها للبشرية جمعاء، كما أتصور أمام المواجهة، تمريض السيدة عائشة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم في حجرتها، في مرضه الأخير، ووفاته فيها وهو يضع رأسه على صدر حبيبته وزوجته السيدة عائشة رضي الله عنها، كما استشعر كيف غسله أهل بيته، ثم دفنه صلى الله عليه وسلم، في تلك الحجرة، كما أنظر من خلال تصوري كيف دفن بجواره صاحبه في الغار ورفيق مشواره ودعوته سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، واستشعر استئذان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، من السيدة عائشة بأن يدفن مع صاحبيه بعد وفاته، فدفن بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر. والعجيب أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تضع حجابها قبل أن يدفن سيدنا عمر الخطاب في حجرتها، لكنها كانت تغطى جسدها بعد أن دفن عمر في الحجرة، حياء من عمر وهو ميت، وهذه رد على دعاة السفور والاختلاط... تصوروا أن السيدة عائشة رضي الله عنها تحتجب من رجل ميت في قبره!. إنني عندما أقف في المواجهة للسلام على رسول الله، أتذكر سيرته العطرة، وأستشعر مواقفه صلى الله عليه وسلم، وتمر بي صور متعددة كثيرة، تصور لي حياته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم... وفي الروضة الشريفة عندما أنظر إلى المنبر، أتذكر قصة الجذع وحنينه وبكاءه حزنا على فراق الرسول، عندما صعد صلى الله عليه وسلم على المنبر ليخطب، فإذا بالجذع يبكي ويئن لفراق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يسكت حتى نزل إليه وضمه وكلمه بأن يكون معه في الجنة، فسكت الجذع..!!!... يا الله... جذع ميت جماد يبكي على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين نحن من ذلك الجذع، أين قلوبنا التي أصبحت بحب الدنيا قاسية، لماذا لا تبكي وتئن على فراق سنته صلى الله عليه وسلم؟. وللحديث بقية... ويا أمان الخائفين.