كل متابع للاحداث التنموية في المملكة لابد ان يكون قد لاحظ الاولوية التي يحظى بها قطاع التعليم الفني ومن هذا الاهتمام كان المأمول ان يخرج التعليم الفني للمجتمع افضل العناصر المدربة في مختلف التخصصات والمهن والحرف، وان تميز هذه العناصر انها متعلمة ومثقفة الى جانب ما تميز به من مهارات تقوم على المعرفة الصحيحة والمنهج العلمي السليم. لذلك الحديث عن التعليم الفني في المملكة في الآونة الأخيرة والعجز الشديد في العمالة الفنية المدربة والمؤهلة بالدراسة، وكان ذلك من ابرز شكاوى القطاع الخاص وخاصة الصناعي قصور التعليم الفني في انتاج سمكري ناجح، وكهربائي متميز وغيرها من التخصصات الفنية. لذلك ستظل قضايا التعليم الفني وقصور مخرجاته هي علامة الاستفهام الكبيرة والواضحة، والتي يمكن وصفها بلا اي مبالغة بانها حجر الاساس لتنميتنا. وفي اعتقادي ان نقطة البداية تنطلق من ضرورة تطوير فلسفة التعليم الفني بكل اشكاله وانواعه لكي يسد تلك الفجوة الهائلة في ميزان التنفيذ على أن تقتصر الجامعات على التخصص في ميدان التخطيط. وهذا الذي اقرت يحتاج الى رؤية جديدة لادراك اهمية التعليم الفني وقد اكدت منظمة (اليونسكو) هذه الرؤية الجديدة حيث وضعت برنامجاً دولياً خاصاً لتطوير التعليم الفني ليتماشى مع التطورات العلمية المتسارعة من اجل تلبية احتياجات المجتمعات ولقد تبلورت هذه الرؤية الدولية الجديدة في الاتفاقية الخاصة بالتعليم الفني والتي اقرتها الندوة الدولية التي عقدت في مدينة (برلين) عام 1989م. وبدراسة دقيقة لهذه الاتفاقية الدولية لوجدنا انها تتضمن مجموعة متكاملة من المفاهيم والمبادىء التوجيهية وفي مقدمتها : الاقرار بمسؤولية الحكومات في رسم سياسات التعليم الفني، وان يتم ذلك في اطار استراتيجيات محددة تجعله جزءاً لا يتجزأ من النظام التعليمي للدولة. فالوثيقة الدولية ترى ان التعليم الفني غاية في البساطة وليس لغزاً، ولا هو بالمعضلة اذا استطعنا تنفيذ الاهداف الثلاثة الرئيسية وهي : 1 تعزيز التعليم والتدريب في المجال الفني كعنصر اساسي في التعليم. 2 توجيه التعليم والتدريب في المجال الفني نحو التنمية المستدامة. 3 اتاحة التعليم الفني والتدريب في المجال الفني للجميع. لذلك فان نجاح هذه الرؤية الجديدة للتعليم الفني لانتاج عمالة فنية متميزة وجيدة يجب ان تتوافر لها الاعتمادات المالية اللازمة لشراء المعدات والالات والخامات لتدريب الطلاب. لذلك أعتقد انه لابد ان يتوافر الادراك الصحيح بأن المفهوم الجيد للتعليم الفني ينبغي ان يرتكز في المقام الاول علي الحقائق التالية: 1 وضع سياسة استراتيجية للتعاون فيما بين مؤسسة التعليم الفني ورجال الصناعة لتحديد الأعداد اللازمة من الخريجين لكل صناعة او حرفة لمدة قادمة (5 سنوات على سبيل المثال) مع المراجعة المستمرة لاحتياجات السوق حتى لا تتسع بعض التخصصات على حساب الاخرى. 2 تشكيل لجنة في كل منطقة للقيام باجراء اختبارات للمتقدمين للدولة من حملة الشهادة الاعدادية للتأكد من شروط اللياقة وقدرة الطالب على الدراسة المهنية. 3 يقسم الطلاب الى مجموعات تبعاً لنوع الصناعة أو الحرفة وتحضر كل مجموعة منها الى المدرسة يوماً واحداً فقط كل اسبوع خلال العام الدراسي لدراسة ما لا يزيد عن خمس مواد وهي على سبيل الاسترشاد، مواد ثقافية، دين، عربي، انجليزي) ومواد علمية (حاسب الي ، مادة علمية ذات صلة بالتخصص). 4 توجد باقي المجموعات بالمصانع للتدريب العملي لمدة خمسة ايام كل اسبوع خلال العام الدراسي ويمكن في حالة توافر قاعة للدراسة داخل المصنع ان يتم تدريب المدربين ليوم واحد اسبوعياً لتدريس المواد الثقافية والعملية للطلاب داخل المصنع. 5 تصرف مكافأة شهرين للطلبة حسب قدرة كل مصنع وفي هذا حافز جيد للانتظام في التدريب. 6 عقد امتحانات في نهاية كل عام عبر المدرسة بالنسبة للمواد الثقافية والعلمية وتشكل هذه المواد (20%) من المجموع الكلي، فيما تتولى ادارات المصانع المختلفة عقد الامتحانات ونسبة الحضور ويشكل التدريب العملي (80) من المجموع الكلي. 7 يمنح الناجحون في الصف الثالث شهادة اتمام الدراسة الثانوية المهنية (او الفنية). ومع هذه الحقائق ومحاولة تنفيذها فإنه يتبقى هناك تحديان احسبهما الاهم اولهما هو ضرورة الاستمرار في جهود تطوير المعلم والمدرب في قطاع التعليم الفني يشكل بضمهم التكامل بين الشق النظري والجانب العملي وان تكون المحصلة موجهة لخدمة الاقتصاد والصناعة وسد الحاجة في سوق العمل، اما ثانيهما فهو ضرورة وجود كيان قوي واضح المهام يعمل كمظلة لتبني جهود التطوير طويلة الامد ويسعى للتنسيق بين الجهات المختلفة ضمانا لتحقيق افضل النتائج لانتاج خريجين قادرين على المساهمة في سوق العمل مسلمين بقدرات ومهارات فنية عالية نحتاج اليها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.