وقع الموت على النفوس اليم، وجرت سنة الله في خلقه ان يتجرعه كل حي يقول المولى سبحانه وتعالى في محكم التنزيل (كل نفس ذائقة الموت.. الاية). ويكون الالم عميقاً والحزن كبيراً اذا كان الفقيد له مكانة في النفس ترسخت من خلال ما غرسه في نفوس محبيه من كريم الخصال ونبل المشاعر، وصادق الدعاء. ففي يوم الجمعة الموافق 27/7/1431ه وتحديداً بعد صلاة الجمعة تلقيت من احد الزملاء الأعزاء اتصالاً هاتفياً يبلغني فيه بنبأ وفاة اخينا وحبيبنا الاستاذ الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي وكيل وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد لشؤون الاوقاف، فوقع الخبر عليَّ كالصاعقة ولم استوعبه في البداية وكررت السؤال على اخينا هل انت متحقق من هذا الخبر فأكده لي، سبحان الله كنت معه في مناقشة لبعض المعاملات المتعلقة بالاوقاف في الساعة الواحدة من ظهر يوم الاربعاء وكان في كامل صحته وعافيته ونشاطه واستأذنته لظرف خاص وفي يوم السبت وجدت على مكتبي نسخة من دراسة لموضوع لا علاقة له بالأوقاف يقوم فضيلته بدراسته ورغب في المشاركة بالرأي على أن نلتقي في يوم السبت لمناقشته، ولكن قدر الله ومشيئته نفذت بقبض روحه الطاهرة في يوم جمعة مباركة، وكان رحمه الله دائم السؤال عن صحة والدتي واحد ابنائي الذي يشكو من عارض صحي يأتيه بين وقت وآخر، كان رحمه الله كبيراً في ادبه مع الغير يجمع جميل السجايا وحسن الخلق له ابتسامة لا تفارق محياه ذكر لي رحمه الله بداية حياته ابان سكن اسرته قريباً من شارع العطايف بمدينة الرياض وكانت هذه الاحياء هي قلب الرياض النابض، وبما انه عاش في اسرة علم وخلق فقد كان تأثير هذه الفئة الصالحة على حياته ظاهراً جلياً، وبعد ان اكمل تعليمه الجامعي كان من ضمن مجموعة متميزة تم اختيارهم للابتعاث لدراسة الماجستير والدكتوراه وحط رحاله في المملكة المتحدة، وتحديداً في أدنبرة ومن احدى جامعات هذه المدينة العريقة بدأ في الاعداد للحصول على مطلبه في الدراسات العليا وبما انه كان صاحب همة وحكمة فقد كان له دور كبير في تأسيس المركز الاسلامي في ادنبرة الذي اصبح فيما بعد مركز اشعاع في المملكة المتحدة ورأس هذا المركز لعدة سنوات كان يناقش ويحاور المخالفين باسلوبه العذب ولغته الراقية التي اجبرت المخالفين على رفع القبعة احتراماً لهذا الرجل المبارك، وعندما انتهت مهمته عاد الى ارض الوطن ليسهم من خلال تخصصه في خدمة وطنه عبر الجامعة التي تخرج منها، وبعد تأسيس وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد حرص اول وزير لها معالي الشيخ عبدالله التركي على استقطاب الكفاءات وتعيينهم في المواقع القيادية بالوزارة وكان من الاشخاص الذين وفق في اختيارهم الأخ الحبيب الدكتور عبدالرحمن المطرودي وعين في البداية وكيلاً مساعداً للشؤون الاسلامية واسهم بما لديه من علم ومعرفة وخبرة في وضع اللبنات الاولى لهذه الوكالة المحدثة مع تأسيس الوزارة وبعد ان ارسى قواعدها على اساس قوي ترجل منها الى مهمة اكبر وهي تسلمه المسؤولية وكيلاً للوزارة لشؤون الاوقاف وذلك في عام 1416ه وسخر جهده وطاقاته وعلمه في النهوض بهذه الوكالة وكان لنا شرف العمل معه مسؤولاً واخاً وصديقاً منذ ان تسلم العمل على هرم هذه الوكالة الى ان توفاه الله، ومهما نعدد افضاله وسجاياه فاننا لن نوفيه حقه، فقد كان كريم الخصال عظيم المهابة لين الجانب عطوفاً حليماً ذا حكمة وبصيرة وبعد نظر، حفلت الفترة الذهبية التي قضاها في هذه الوكالة بانجازات كبيرة فقد اسهم في ابراز الوقف والتعريف به على المستوى الاجتماعي من خلال العديد من الندوات العلمية التي نظمتها هذه الوكالة كما شاركت في العديد من المؤتمرات المتخصصة في مجال الوقف، او من خلال اسهاماته في وسائل الاعلام المختلفة وكذا مشاركته في العديد من اللجان المتخصصة في مجال الوقف كجمعية الاطفال المعوقين ومركز الأمير سلمان لابحاث الاعاقة، واوقاف الجامعات السعودية، ومجلس نظارة اوقاف الملك عبدالعزيز لعين العزيزية، وغيرها من اللجان التي لا يتسع المجال لحصرها، كما كان له جهود رحمه الله في دراسة الكثير من اللوائح والانظمة التي يستشار فيها مما ليس له علاقة بالأوقاف كان رحمه الله حريصاً على اداء العمل على اكمل وجه وحريصاً على الوقت يأتي لمكتبه قبل الناس ويخرج بعدهم ينجز عمله بصمت دون ضجيج يغلب المصلحة العامة في جميع ما ينجزه حريص على اداء الحقوق لاصحابها وانجاز العمل اولاً بأول زهد فيما عند الناس فاحبه الناس، كان مدرسة في جميع ما يقوم به من أعمال لم نعهد منه ان عبس وجهه في وجه احد او اخطأ في حق احد كان يمتص الغضب بابتسامته المعهودة ويحقق مراد صاحب الطلب بما يتمشى مع تعليمات ولاة الأمر، ولم تقف اسهاماته في مجال العمل بل تعدى ذلك الى الشفاعة لدى الغير اذا تحقق من صاحب الطلب وحاجته وقد وقفت على كثير من هذه الشفاعات كان رحمه الله زاهداً في دنياه باراً بوالديه محباً للآخرين لقد كانت وفاته فاجعة على الجميع وملأ قلوب محبيه حزناً عميقاً على فراقه، لمست الحزن العميق لدى معالي الوزير حفظه الله الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ اثناء تقديم العزاء لمعاليه واذكر مقولته حفظه الله يقولها وعيناه قد اغرورقت حزناً على فراق الحبيب ان خبر الوفاة نزل عليه كالسيف المسلط وعدد شيئاً من مناقب الشيخ ومنها انه لا يذكر انه تقدم له بحاجة لنفسه، وانه كان يعمل في صمت، كما تحدث معاليه عن الشيخ رحمه الله بعد صلاة الظهر من يوم السبت التالي لوفاته ذكر شيئاً من مناقبه ومآثره ودعا له ولم يستطع ان يكمل حديثه من شدة تأثره، لقد عايشنا محبته وهو حياً بين اظهرنا ولمسنا هذه المحبة الجارفة من محبيه بعد وفاته وقد توافد محبوه للصلاة على جنازته من كل مكان من مكةوجدةوالمدينة والقصيم وغيرها من مناطق المملكة. سائلاً المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وان يلهم والديه واسرته واخوانه ومحبيه الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون)