عدة تساؤلات تثير الإنتباه وتدعو لوضع حد للأسباب التي تجعل بعضا من المنشآت تعيش في ضائقة من أمرها، ولم تحرك ساكناً نحو تطوير نفسها داخليا، بينما نراها تستطرد بثقة وبقوة وبقناعة نحو سياساتها واستراتيجياتها الخارجية والمستقبلية، وتعيش في نفس الوقت حالات متكررة من الإهتزازات الإنتاجية والتشغيلية، ومن عدم تمكنها اجتياز كثير من المحن التي تتسبب في ضمور وهروب موظفيها وكفاياتها، وغياب تام عما يدور داخل أعمالها من هدر وهتك للطاقات البشرية وللابداعات المهنية، ومن ضعف واهتراء للعلاقات والثقة والتعاون بين موظفيها، والناتجة بوضوح عن غياب الشفافية، وقلة الإهتمام بمصير التطوير المستمر لأعمالها وموظفيها بالشكل العلمي البعيد عن الأنا والأمور الشخصية. وينتقد الشارع العملي هذه الأيام الدور الضعيف للجان العمالية للمنشآت، في وضع مؤسف لضمور تلك اللجان من سنة لأخرى، وانتهاء عملهم التصحيحي للأوضاع المتردية التي تعيشها القطاعات الخاصة، بل يعتقد العديد من العاملين أنهم لم يكونوا حين تأسسوا ذوي فاعلية أصلا، كونهم تشكيلات ذات صبغة وهمية شكلية لم تأخذ لنفسها وضعا قويا وفاعلا. ومع الوقت وانكشاف الحقيقة الضعيفة غير المدعومة لهم من قبل وزارة العمل بالشكل الذي يجب فعله من الوزارة، والتي أصبحت غير قادرة على احتواء موضوع اللجان العمالية بالطريقة الديموقراطية التي خرج عليه نظام التأسيس، أتخذت بعض اللجان طابعا إعلاميا داعما لمنشآتهم دون التدخل أو النصيحة نحو الإهتمام بتنمية الموارد البشرية على الوجه الصحيح، وآخرون تنحوا جانبا واسترخوا دون حراك خوفا على مصير أعضائهم من بطش منشآتهم لهم حين انقضاء عضويتهم. السيدة هاريت ميرسون مؤسس مركز الثقة في شمال أمريكا المعني بتطوير الثقة وتقوية الولاء الوظيفي، تتحدث في مقال لها منشور في عام 2005 في موقع (Top 7 Business) عن تحسين وتقوية مهارات الإتصال الخاصة بالعاملين، لتمكينهم من إقامة علاقات عمل أفضل، مقارنة بمهارات الإتصال الضعيفة في مكان العمل، والتي لها من الآثار السلبية على العلاقات التجارية للمنشأة التي يعملون فيها، وبطبيعة الحال فتلك العلاقات قد تؤدي إلى انخفاض أو ارتفاع في الإنتاجية والربحية وفقا للتفاوت التي تعيشه المنشأة في متانة علاقاتها الداخلية بين موظفيها وإداراتها أيضا، مشيرة في مقالها إلى مفاتيح سبعة تساعد على فتح الباب أمام الإتصال الناجح في العمل، وفي جميع العلاقات أيضا. 1- الإتصال الشخصي هو أحد هذه المفاتيح السبعة، ويعتبر مهما لأن الناس حينما يتصلون ببعضهم البعض؛ سينتج عنه انسجام وتناغم من حيث التمكن من قراءة لغة وأفكار الآخرين، ويعبر عنه بالطاقة الناتجة التفاعلية المحفزة للتفاهم. فاما إذا كان الإتصال الشخصي غير ممكن لظرف معين، فيفضل اتباع طريقة الاتصال غير المباشرة عبر الهاتف، كحل بديل ومساعد مستقبلا لتهيئة الاتصال الشخصي. 2- تطوير وخلق شبكة من الإتصالات الشخصية والجماعية، لأنه لا يمكن أن يتحقق النجاح بشكل بارز وشامل دون مساعدة وتفاعل الجميع، على أن بذل الجهد لتكوين علاقات متبادلة ممتدة في داخل إدارات الشركة دون استثناء، هو من الضروريات التي تساعد على الإنسيابية والمرونة في إنجاز الأعمال من دون عوائق ومشقة، مع ضرورة التعرف على الأشخاص الجدد في النطاق العملي الذي حولك لاستقراء ما يملكون من خبرات يمكن الإستفادة منها وتنشيطها نحو خدمة الأهداف العملية التي تفيد الجميع لانجاز الاعمال بهيكلة تامة. 3- التحلي دائما بالتعاملات المهذبة في مجال الاتصالات الخاصة مع الآخرين، فمجاملة الناس بطريقة راقية مؤدبة ومنضبطة تجعلهم يستشعرون الإهتمام والإحترام والرعاية. والثناء والشكر المرادفين للتعاملات يبينان التقدير والاحترام والثقة بالآخرين نظير جهودهم للتشجيع والتحفيز، مع مراعاة انتقاء الجمل الاكثر تأدبا واحتراما كجملة “من فضلك” بدلا من “رجاء” مثلا حين يكون هناك طلب لحاجة أنت المستفيد منها وتحتاجهم في تحقيقها، لانها ستساعد على تقبلها وبذل الجهد والسرعة في انجازها اليك. 4- الدقة والتناسق والوضوح في مجال الإتصالات في أماكن العمل الخاصة بك، تعد من المفاتيح المهمة والمتطلبات التي تبني الثقة والاحترام، ومن مدلولاتها الاستخدام الامثل لطرق الاستيضاح من خلال استخدام الجمل التي تبين وتنبه الآخرين بها نحو الرغبة في الشرح الاضافي والايضاح كجملة مثلا “هل ما قلته واضح ومفهوم أم علي التوضيح والتوسع أكثر؟ “ مما يؤكد الاهتمام لديك في ان يفهم الآخرون ما تقول وليس فقط إطلاق جمل وكلمات جزافية. 5- العمل على توفيق الأمور بالحلول الوسطية التي تخفف من حدة التوتر المرتبطة بالخلافات، من حيث التركيز على ما هو أفضل وفي صالح الشركة وتوجيه الخلاف بطرق دبلوماسية واشعار وتنبيه الجميع باهمية النقاش والخلاف ايضا في مصلحة العمل والشركة وأن لا يتعدى الى الامور الشخصية 6- من المهم عدم إجحاف آراء الآخرين المفيدة حينما لا تملك رأيا مفيدا مثلهم، فعليك الإهتمام بالقراءة وتصفح المنشورات والدوريات الخاصة بعملك والتي من خلالها تمكنك من اختبار وتربية نفسك وتعويدها لاستطراد آرائك وخبراتك لتكون فاعلا ومستشعرا بنفسك، كي تكون ضمن المنظومة التفاعلية في نطاق عملك، وتتخلص من عقدة النقص التي تراود الكثيرين الذين لا يملكون الجرأة والثقة في التخاطب ومبادلة الآراء، نتيجة الخوف الذي يعيشوه من قلة الثقة. 7- الاستماع إلى ما يقوله الآخرون في ابداء الإنتباه والتركيز وإشعار الآخرين بفائدة المحادثة، لأن الإستماع الجيد يبرز جانب الإحترام والتقدير للآخر من حيث جعل المحادثة تشبيها مثل لعبة التنس في الحفاظ على الكرة ذهابا وإياباَ، أي أنها تتسم بالتفاعل والتبادل والتعليق المثمر الذي يشير إلى الاهتمام. والخوض في تلك المفاتيح بتمعن ودراية قد يتيح الفرصة لإستعادة الثقة من ناحية إعادة النظر فيما يحدث من خلل وترد للموثوقية والمصداقية المهنية التي تعيشها المنشآت، والتي باتت تنحرف بالقيم الإنسانية والأخلاقية المهنية إلى خارج النسق الصحيح والطريق السليم، وللأسف لا تعترف تلك المنشآت بما يدور فيها من انتهاكات فردية ضد النموذج العملي المثالي لتردعها وتقطع دابرها، بل أصبحت الإنتهاكات مع الوقت تنتقل من الفردية الى الجماعية كموروثات تتناقلها الحقب العملية.