لقد خلق الله عز وجل الإنسان وخلق معه منظومة من الحاجات التي تساعد على العيش والتكيف في الحياة , ولعل أهم شروط التكيف هو أن تكون البيئة المحيطة بالفرد بيئة متوازنة تضمن له تحقيق كافة متطلباته وحاجاته الداخلية والخارجية. ويقصد بالحاجات الداخلية تلك الحاجات الأولية التي لم يكتسبها الفرد من بيئته عن طريق الخبرة والمران والتعلم وإنما هي استعدادات يولد مزودا بها , لذا يطلق عليها في كثير من الأحيان ( الحاجات الفطرية ). وتشمل تلك الحاجات كل ما يتعلق بالطبيعة الفسيولوجية للفرد مثل الحاجة إلى الطعام , الحاجة إلى الشراب , الحاجة إلى النوم والراحة , والحاجة إلى التكاثر والإنجاب وغيرها. أما الحاجات الخارجية فيقصد بها الحاجات الثانوية التي تعد مكتسبة ومتعلمة من البيئة الخارجية , وتشمل تلك الحاجات كل ما يتعلق بالطبيعة النفسية (السيكولوجية ) للفرد مثل الحاجة إلى الأمن والأمان, الحاجة إلى المعرفة والاكتشاف, الحاجة إلى الانتماء, الحاجة إلى النجاح, الحاجة إلى التقدير الاجتماعي, الحاجة الى تحمل المسئولية وغيرها. والجدير بالذكر أنه ينبغي أن يكون اهتمامنا بالحاجات الثانوية الخارجية بقدر اهتمامنا بالحاجات الأولية الداخلية , وهذا الاهتمام ينبغي أن يكون موجها منذ المرحلة الأولى من عمر الإنسان , حيث إن عملية التنشئة الاجتماعية ينبغي أن تكون شاملة ومتكاملة لسد جميع المتطلبات والحاجات الإنسانية حتى ينشأ الطفل بشخصية متوازنة ومستقرة. وتعد الحاجة إلى الحب من الحاجات العميقة التي تتطور وتؤثر في كافة مراحل النمو الإنساني لدى الفرد. فالطفل منذ ولادته يحتاج إلى رعاية الآخرين واهتمامهم وتقديرهم وحبهم , وقد أثبتت الدراسات العلمية أن الطفل ينتقل أثناء الولادة من درجة حرارة ثابتة داخل الرحم إلى عالم متغير ودرجة حرارة متغيرة وتخضع للكثير من المؤثرات المختلفة التي من شأنها خلق روح من التشوش وعدم الأمن والاستقرار , وليس لذلك حل سوى بيئة دافئة مفعمة بالرعاية والحب والحنان حتى يعود للطفل الوليد استقراره الذي كان ينعم فيه , ويسهم في توفير تلك البيئة الخارجية كافة أفراد الأسرة وخاصة الوالدين. وللأسف الشديد نجد أن الكثير من الأسر لا توفر لأطفالها العاطفة والحنان المعتدل والمطلوب , مما يجعل منهم فريسة سهلة للمشكلات والاضطرابات النفسية والاجتماعية المختلفة بسبب اختلال توافقهم النفسي وصحتهم النفسية. حيث ان فقدان الحب والاحتواء يرتبط ارتباطا وثيقا بزيادة أعراض القلق والمخاوف واضطرابات النوم وفقدان الشهية للطعام وضعف الثقة بالنفس والشعور بالحزن والتعاسة وغيرها , هذا ومن جانب آخر فإن الزيادة المفرطة في الحب قد تكون مؤشراً لشخصية متغطرسة متمركزة حول ذاتها عالية العدوانية وغير قادرة على العطاء والإيثار والتضحية. ومن هنا يجدر بنا أن نكون على وعي كامل بكيفية توظيف المشاعر والعواطف الهامة لرعاية أبنائنا وبناتنا , بحيث لا نقتر فيها فينشأ جيل لا يعرف الرحمة والمودة والعطاء , ولا نسرف فيها فينشأ جيل منسحب منعزل لا يتقن التعايش والتعاون مع الآخرين. وتظل الحاجة إلى الحب محركا أساسيا لنمو الجانب الانفعالي والاجتماعي لدى الفرد على النحو السليم متى أشبع بالطريقة المتزنة المتماشية مع تعاليم وتشريعات البارئ عز وجل وسنن الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في كل زمان ومكان. وقفة لنرتقي : | الأمهات العزيزات إن أغلب مشكلات أطفالكن تعالج بإعادة توظيف الحاجة إلى الحب والاحتواء على النحو المتزن والمطلوب. | أمي الغالية , والدي الغالي : وقفة شكر وعرفان وامتنان ؛ فلولا الحب والحنان والرعاية التي شملتموني بها لما كنت على ما أنا عليه الآن. فجزاكما الله عني وعن اخوتي خير الجزاء.