في كل يوم يتواصل عقد البناء وتتزايد حبات لؤلؤه لتزين الصدر بمنجزات تشق صمود الجبال وتجتاز صعوبة الرمال لتصل إلى الإنسان مواطنا كان أو مقيما أو حتى زائرا لأيام محدودات محملة بعطاء لاحدود له وجهد يؤكد عظمة الأمانة وتحمل المسؤولية . وبالأمس ركع وسجد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع المصلين في صلاة الجمعة بالمسجد الحرام شاكرا لله حامدا على نعمه وفضله بتنفيذ مشروع توسعة الساحات الشمالية والشمالية الغربية للمسجد الحرام . وان كان من حق المواطنين السعوديين أن يفخروا في كل يوم بعطاء مقدم وجهد ملموس فان من حق المسلمين اليوم الفخر بماحملته الأنباء ونقلته وسائل الإعلام عن تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة الساحات الشمالية والشمالية الغربية للمسجد الحرام ليضيف مساحة جديدة إلى ساحات المسجد الحرام مما يضاعف الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام ويتناسب مع زيادة أعداد المعتمرين والحجاج ويساعدهم في أداء نسكهم بكل يسر وسهولة . والمشروع الذي جاءت الموافقة السامية عليه في وقت بلغت الحاجة إليها مع الازدياد المضطرد في أعداد الحجاج والمعتمرين والمصلين الذين غصت بهم جنبات الحرم الشريف في أوقات الذروة من العام وخصوصاً في رمضان والأعياد وموسم الحج ، كما أن إزالة أكثر من ألف عقار لصالح مشروع تطوير ساحات المسجد الحرام سيساهم في زيادة الطاقة الاستيعابية للساحات المحيطة بالحرم ، وتذويب التكدس العمراني الهائل الموجود حول منطقة الحرم المكي المتركز في الجهات الشمالية والغربية وفي الجهة الشمالية الشرقية ، كما يؤدي إلى تفريغ المناطق المحيطة بالمسجد الحرام لتسهيل حركة المصلين ورواد بيت الله الحرام وإعطاء مزيد من الراحة والطمأنينة للمصلين إضافة إلى تحسين وتجميل منظر شكل البيئة العمرانية بالشكل الذي يواكب التطور العمراني في هذا العصر مع الأخذ في الاعتبار روحانية وقدسية المكان. ويضم المشروع هيكلة إنشاء شبكة طرق حديثة مخصصة لمركبات النقل منفصلة تماماً عن ممرات المشاة وأخرى أنفاق داخلية، مخصصة فقط للمشاة، مزودة بسلالم كهربائية وتتوافر فيها كافة معايير الأمن والسلامة وسط منظومة متكاملة من الخدمات التي تساعد على سهولة الحركة والانتقال من وإلى الساحات الشمالية والغربية، وبعيداً أيضاً عن الحركة المرورية ، بما يوفر مصليات جديدة واسعة الأفق لزوار بيت الله الحرام لأداء الصلاة فيها ويسهم ذلك في حل الازدحام في أوقات الصلاة خاصة خلال موسم الحج والعمرة وكذلك شهر رمضان . وتبدأ المرحلة الثانية الجاري تنفيذها من أنفاق جبل علي شرقاً وتتجه إلى الغرب حيث تشمل الجزء المطل على شارع المسجد الحرام وبعض العقارات في منطقة الراقوبة وشارع عبدالله بن الزبير وشمال أنفاق جبل هندي ومنطقة حارة الباب والخندريسة ويبلغ عدد العقارات المنزوعة في هذه المرحلة أكثر من 1100 عقار بالإضافة إلى عددٍ من المشروعات الأخرى الهادفة لتوفير الرعاية الشاملة لقاصدي البيت العتيق وتمكينهم من أداء نسكهم بكل يسر وأمان وراحة وطمأنينة ومن ذلك مشروع توسعة المسعى الذي تم الانتهاء منه وتشغيله خلال موسم حج العام الماضي ، وتنفيذ بعض الجسور الموصلة إلى المسجد الحرام للدخول والخروج منه بكل سهولة. إن ما صنعه المليك المفدى للمسجد الحرام ليس منة كما يقول يحفظه الله دوما بل هو واجب تمليه الأمانة العظيمة والمسؤولية الجسيمة . وهذه الكلمات التي تصدر من قائد المسلمين وإمامهم لايرددها بالحمد والشكر السعوديون وحدهم فكلما وطأت قدمك موطنا وخاطب فاك أذن مسلم جاء الرد سريعا كبرق لاتردد له قائلا : بارك الله في مليك خدم الإسلام والمسلمين وفتح أبواب الحوار مع الحضارات وتسامح مع الآخرين وعالج المصابين وتكفل بفصل المتلاصقين . وخلال رحلاتي خارج المملكة والتقائي بعدد من المسلمين من مختلف الطبقات الاجتماعية أسمع مثل هذه الكلمات مرددة بالأذن حامدة لله جل وعلاء على ما وهب وأعطى لاطهر بقاعه . ففي رحلة قصيرة لباريس قبل نحو عامين أو يزيد التقيت صدفة بشاب عربي يعيش في فرنسا ودار الحديث بيننا حتى وجدته فجأة يقول : أحمدوا الله على ماوهبكم من نعم وفضل ليس البترول وحده بل نعمة الملك الذي تنحى عن لفظ الجلالة وأراد أن تكون مخاطبته بخادم الحرمين الشريفين تأكيداً على عظمة الحرمين الشريفين في قلبه . وفي زيارة للجمهورية السنغالية جلست مع نخبة من أبناء السنغال بين شيخ كبير وشاب وسيم فسمعت منهم من الثناء مالا حدود له ومن الشكر ماجعلني أقول بارك الله فيك ياخادم الحرمين الشريفين على ماقدمت وصنعت من عمل تؤجر عليه يوم لاينفع مال ولابنون . وان كانت هذه الكلمات وصلت مسامعي من مقيم بدولة أوروبية ومجموعة من سكان دولة افريقية لم يزوروا الحرمين الشريفين منذ ولادتهم فان ما أسعدني أكثر تلك الكلمات التي نطقها عدد من الإعلاميين الأتراك خلال موسم حج العام الماضي فبعد أدائهم لطواف القدوم توزعت أنظارهم صوب المشاريع التي تجرى حول الحرم المكي الشريف فبهرت أنظارهم بما شاهدوا وازداد إعجابهم بماسمعوا من مشاريع مستقبلية . ووقتها سألتهم : كيف ترون مكةالمكرمة الآن ؟ فقالوا : إننا نرى ورشة عمل دائمة ولا نستطيع القول بأن العمل منحصر في توسعة الحرم المكي الشريف وحده وان كان هذا فخر لنا كمسلمين لكننا نقول بأن في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة مايبهر العين ويعطر الأذن . فجسر الجمرات بمنى وان حمل من الهدوء والراحة والطمأنينة مالا نظير له في دول العالم فان فكرة إيجاد وسيلة نقل سريعة تربط المشاعر المقدسة بمكةالمكرمة عبر مشروع قطار الحرمين يجعلنا نقول إن مثل هذه المشاريع وان كانت صعبة التنفيذ في العديد من الدول فإنها في المملكة سهلة التنفيذ بهمم المليك وإخلاص العاملين معه . وحينما سألتهم عن رؤيتهم للمنطقة المحيطة بالمسجد الحرام خلال الخمس سنوات القادمة. قالوا : باجابة واحدة من الصعب التوقع بما سيحدث خاصة وأننا لم نكن نتوقع أن يكون هناك قطار في المشاعر المقدسة يكلف المليارات ولايعمل إلا أياما قلائل في موسم الحج فمثل هذه المشاريع تسعى الدول إلى تشغيلها على مدار العام كمردود اقتصادي للدولة لكن الملك عبدالله لايبحث عن المردود الاقتصادي بل يبحث عن المردود النفسي للحجاج . لحظتها أدركت أنه من الصعب على أي مسؤل بالدولة الحديث عن مشاريع تطويرية جرى أو يجري تنفيذها لأن لدينا مليك ينظر صوب قاصدي البيت الحرام من معتمرين وحجاج كضيوف ينبغي خدمتهم والسهر على راحتهم وتوفير كافة السبل لهم .