أسرفت في الحلم وهي تمضي على جدار الوقت ووقفت بحنين على أديم الأرض وحملت معها حاضرها قبل أن تتدلّى خلف عناقيد المساء .. حينها وهي كذلك كانت تترقب بنمو شفاه أحلامها المبعثرة في قلق الإنتظار .. حاولت أن تخرج من غياهب الوقت فقط لتفصح عن ماكانت فيه .. قد تكون آنذاك فريدة في لحظة وجودها فقسوة يانعة قد غطت بعض ملامحها الجميلة .. أرادت وبكل ماتحمله الأنثى أن تذيب تلك التجاعيد المتصابية التي كانت تمسك بزمام حيرتها بين كفيها. خرجت لتخطو إلى الأمام وقد كانت شواطئ أيامها محفورة على خلجان يابسة. أقدام حافية حاولت أن تضع بصماتها على رمل تلك البقعة الداكنة الرطبة حاولت والأمواج كانت هائجة والبحر لازال في تلك اللحظة ينظر إليها بزرقته الهادئة. نظراتها معلقة خلفها إلى الوراء كأنها تريد بإمعان أن تسحب فجر تلك الليلة قبل أن يفلق . كانت فقط تتوحّد مع صمتها الذي أراق بكل استحياء الخجل على بعض ملامحها. أحاسيسها في ذلك الوهم الذي كانت تعيش داخله قد نخرها وداهم بكل قسوة صوتها حتى أصابه الوهن. كانت مدارات اللهفة داخلها تمخر بها عباب الأمل ذلك الأمل الدافئ الذي كانت تبحث عنه في دنيا تتهمها بالغدر والإبحار بعكس التيار . حاولت أن تلملم حواسها لتزرع على وجهها العابس ابتسامة الإخضرار فهل أدمنت الترجّل نحو عالم التحدي والمخاطرة؟.. وهل ذلك كان كافياً للطرف الآخر أن يشاركها الصمت ورماد عمره على قارعة الشيخوخة؟.. وهل صوتها الجريء في صمته الفريد توأم تتسع خارطته عبر المسافات لصوته المبحوح بكل تجاعيده المجهضة والمدفونة والقادمة من تلك الأعماق السحيقة بين ثواني الزمن؟.. جاءته وهو مطرق يتأمل لهفتها إليه وأستدرت عطف زمنه وعطف محبته. جاءته وهي تحمل في يديها مساءها الجميل وقد ارتسمت على وجنتيها أحداق اللهفة كل اللهفة لكل شيئ قادم أنيق وقد أحتضن صوتها الدافئ وأمتزج مع صوته المبحوح فانتشر الصمت بينهما برائحته العبقة الزكية . خيال واسع وضرب من الأحلام داهمت جدائلها المتعرجة بعد أن غرزت جسدها المنهك بين ذرات المياه المالحة لا لشيء وإنما فقط لتريق الألم على منابت شعرها لتشعر بغبطة الفرح فقد كانت مياه عذبة تغمرها بين الحين والآخر عندما كانت تداعب الصبا ونشوة الشباب والتشدق في كل شيء كان سيد الموقف. ذهبت في مهب الريح وأختفت وذلك ماكان يعتقده بينما بقي وجهها مع صمتها الفريد يداعب جدائلها وهي في تلك الحالة كانت تخطو إلى الوراء بينما صوته المبحوح كان بعيداً عنها على اليابسة ويخطو إلى الأمام فقط إلى الأمام وذلك ماشدّه بعيداً عنها وشدّها قريباً منه إلى درجة التوحّد .. ولازالت تحلم وهو يحلم والشمس أيضاً لازالت كماهي تشتهي الماء وتنادي الأطفال من خلف الغيوم ليرقصوا بكل إيثار رقصة المطر على ورق العشب وأهداب الشجر!!!. ومضة:- من شعر محمود درويش: يا قارئ! لاترجُ مني الهمسَ! لاترجُ الطربْ هذا عذابي .. ضربةٌ في الرمل طائشةُ وأخرى في السُّحُبْ! حسبي بأني غاضبُ والنار أولُها غَضَبْ