سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الملك عبدالله : لكل أمة قادة أفذاذ والمؤسس والفيصل عظيما هذه الأمة الفيصل في عيني خادم الحرمين الشريفين
الملك فيصل بنى في سنوات قليلة أسس الدولة العصرية
الحديث عن الملك فيصل رحمه الله متشعب وذو شجون وكثر هم من طرقوا أبواب الحديث عنه إلا أن أجمل الأحاديث وأثمنها تلك التي تصدر من عظماء ليخلدوا من خلالها سيرة عظماء راحلين ويعطوهم حقهم وقدرهم لما قدموه وأنجزوه. ومن خلال الأسطر القادمة نترك لقراء (الندوة) حرية الابحار في بحر حديث عظيم هذا العصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله الذي فتح قلبه للحديث عن ملك محبوب آخر هو العظيم الراحل. وفيما يلي النص الكامل للمقابلة: | ماهي ذكرياتكم عن الراحلين العظيمين جلالة الملك عبدالعزيز وجلالة الملك فيصل رحمهما الله؟ || في حياة الأمم قادة عظماء لم يقتصر تأثيرهم على أمتهم فحسب بل تجاوزها إلى آفاق بعيدة في دول أخرى ومناطق مختلفة من العالم ، مثل هؤلاء القادة يملكون في أعماقهم تطلعات أمتهم وشعبها بصدق ووعي فيتفاعلون معها وبقدراتهم الشخصية البارزة يحولون هذا التطلعات إلى خطوات عمل واقعي متصل فتكون مرحلة تاريخية مهمة من مراحل حياة الأمم والشعوب، ويمكن القول بعيداً عن التأثير العاطفي الخاص بالنظر للصلة التي تربطني بالراحلين العظيمين انهما كانا من القادة الأفذاذ الذين استطاعوا أن يقودوا أمتهم في ظل أصعب الظروف واقساها بخطوات ثابتة وهادئة نحو تحقيق أهدافها وتطلعاتها ، وكنت أود أن نترك التاريخ وحده الحكم ولكن ما دمت تصر على نوع من الذكريات عن الراحلين العظيمين. والذكريات هنا كثيرة ومتلاحقة لا يستوعبها مجال من هذا النوع لأنها أكثر من أن تحصى ، فدعني أتوقف عن ذكريات عامة مرتبطة بتطور هذه الأمة في سيرها المتصل. إن أثبتت الذكريات في ذهني عن المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز ايمانه العميق بالله وثقته بأهداف شعبه وصلابته الفذة وحكمته في رسم الخطوات وتنفيذها باتجاه الهدف. ان من المعروف تاريخيا قسوة الظروف التي قاد فيها رحمه الله رجاله المخلصين من أبناء هذا الشعب بهدف توحيد البلاد وازالة الفرقة وتصحيح الأوضاع وتأسيس الدولة ووسائل القتال كانت محدودة والامكانيات المادية معدومة ومتباعدة والاحقاد والتنافر يملأ القلوب لكن عمق الايمان وصلابة النفس والتضحية والحكمة والصبر والمحبة كانت من العوامل الرئيسية التي مكنته رحمه الله من تحقيق المعجزة التاريخية في توحيد أرجاء المملكة وتأسيس الدولة، وبقدر ما تميز رحمه الله بالصلابة ومجابهة أقسى الظروف بقلب واثق بالنصر فقد كان في نفس الوقت أباً بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني العطف والمحبة والايثار، انه لم يكن أبا لأسرته فقط بل لكل أبناء شعبه الوفي ، وبهذه المميزات حقق رحمه الله أعظم الانجازات في تأسيس الدولة وترسيخ قواعد بنائها. الملك فيصل وفي هذه المدرسة القيادية العظيمة نشأ جلالة المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي استطاع بما تميز به من صفات القائد الرائد ، ومن خلال ممارسته العميقة في الحكم سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية ان يستمر في المسيرة التي خطها الملك المؤسس بخطى ثابتة وايمان عميق واخلاص يبني في سنوات قصيرة أسس الدولة العصرية في الداخل ويرسي في الوقت نفسه أسس سياسة خارجية كان أهم منجزاتها ترسيخ التضامن الاسلامي وتحقيق وحدة الصف العربي في مواجهة الاغتصاب لمقدسات المسلمين والأرض العربية في فلسطين ومكانة دولية مرموقة مبنية على تأكيد المبادىء الدولية في وقت تهتز فيه تلك المبادىء نتيجة الجشع العالمي والاستعمار الجديد فكريا واقتصاديا واصرار القوي على ممارسة قوته تجاه الشعوب الضعيفة. ولعل أعز الذكريات واغلاها تلك الأمنية والأمانة التي حملها القائد الراحل لأعناق الشعوب المسلمة والشعب العربي في كل أرض وهي الصلاة في المسجد الأقصى وإننا سنستمر في مواصلة الجهد وبذل كل الامكانيات والتضحيات حتى نحقق أمنية الراحل العظيم بإذن الله. القضية العربية والتطورات الأخيرة | ما هي نظرتكم لمستقبل القضية العربية على ضوء التطورات الأخيرة وهي في الأفق بوادر حرب جديدة؟!. || أنت تعرف أن تاريخ القضية العربية مر بنكبات وانعطافات حادة وانحسار مؤلم نتيجة عوامل الضعف والتجزئة والتناحر وفي ظل عوامل استعمارية قاسية، لقد وقعت محاولات حادة للقضاء على الشخصية العربية وللحضارتين العربية والاسلامية تماما ، لكن اصالة هذه الأمة وصلابة عقيدتها وعراقة تاريخها حفظت له ديمومتها في أحلك الظروف وأشدها قسوة وشراسة وتدميراً.. وإذا كانت الحربان الكونيتان في النصف الأول من هذا القرن قد افرزتا من بين نتائجهما تقطعا لأوصل هذه الامة واستعمار العديد من اجزائها باسم الانتداب وزرع اسرائيل في قلب الأرض العربية فان الشخصية العربية عادت إلى تحدي كل الظروف المحيطة تعمل من أجل قضيتها بتصميم قل أن تعرفه شعوب وأمم أخرى في التاريخ وكان من نتيجة الصحو العربي ان تحررت أرضه من الاستعمار واستعادت شعوب المنطقة استقلالها وحريتها وحقها في تقرير مصيرها. تلك كما ترى معطيات ايجابية عظيمة الدلالة نستطيع من خلالها ومن خلال المتغيرات الدولية والتطورات الأخيرة في المنطقة ان نتبين ملامح مستقبل القضية العربية، اننا باختيار أمة تؤمن بالله ثم بحق الشعوب في تقرير مصيرها وبالتعاون الدولي المبني على الثقة المتبادلة وعلى مبادىء الأممالمتحدة ولذلك فإننا نرفض ونقاوم كل تدخل يفرض علينا كما اننا نؤمن بالسلام المبني على العدل والتعاون ولذلك فنحن نرفض استسلاما مبنياً على منطق القوة. اننا نعرف أيضا ان الامكانيات المتوفرة في أمتنا في المرحلة الراهنة هي امكانيات بلا حدود وهي تستطيع اذا ما احسن استخدامها أن تجعل دول العالم كله مناصرة للحق الذي تنادي به ولكننا ندرك في الوقت نفسه أن بعض القوى العالمية بدافع من مصالح متعددة ومتناقضة ترى في القوة العربية خطرا يهدد هذه المصالح ولذلك فهي تبتدع في كل يوم وسائل لمنع هذه القوة من النمو والتعاظم. ولعل أكبر مسببات الضعف هي الفرقة والتناحر ، وأقوى عوامل القوة وحدة الصف تجاه الخطر المشترك وما دامت وحدة الصف قد تحققت بين الدول العربية على نطاق واسع من خلال التضامن والتعاون المتصل فان النتيجة الحتمية لذلك ستكون النصر بإذن الله. أما عن سؤالك عما إذا كان في الأفق بوادر حرب جديدة ففي تقديري ان المستقبل حافل بكل الاحتمالات سواء منها احتمالات السلم أو احتمالات الحرب. ان لقاءات القمة بين بعض الملوك والرؤساء العرب التي عقدت مؤخرا قد أوضحت بما لا يقبل الشك رفض العرب المطلق لاستمرار حالة اللاسلم واللاحرب وبالتالي فانه في حالة فشل الجهود السلمية القائمة حاليا لن يكون هناك سوى طريق واحد هو الحرب. لقد بذل العرب أقصى ما يستطيعون من أجل نجاح الجهود السلمية ولكن اسرائيل بتعنتها واصرارها على احتلال الأراضي بالقوة قد سببت فشل جهود الدكتور كيسنجر وبالتالي فإنها وحدها المسؤولة عن نتاج هذا الفشل ذلك أن حربا جديدة ان وقعت في الشرق الأوسط لن تكون محصورة الاثار ابدا وسيعاني منها العالم كله. | هل هناك قرارات تهم المواطنين سيصدرها مجلس الوزراء في القريب العاجل؟ || إن مسؤولية أي حكم ومبرر وجوده تقوم أساسا على خدمة أهداف الأمة ومواطنيها وأننا ولله الحمد في هذه المملكة كمواطنين فيه قبل أن نكون مسؤولين من خلال تمسكنا المطلق بالعقيدة الاسلامية وتعاليمها المقدسة، ومن خلال ادراكنا لتطلعات أمتنا وشعبها نعمل بشكل متواصل رغم كل المصاعب لتحقيق كل خطوات الخير لأبناء شعبنا الوفي ولأبناء الشعوب الاسلامية والعربية الشقيقة والمجتمع الدولي بشكل عام. ان هناك حقيقة اساسية أخرى في تقديري وهي أن المواطن لايمكن ولا يجوز أن نفكر في نفعه الخاص والمباشر فقط دون اهتمام بأية منفعة عامة واذا كان الكثير من القرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء بتوجيهات من جلالة الملك المعظم تهم المواطنين بشكل مباشر فان هناك أيضاً اهتمامات عميقة بمستقبل هذه الأمة وشعوب المنطقة بشكل عام وهي في الواقع ذات أثر غير مباشر وبعيد النتائج على المواطنين وكل ما تستطيع قوله بعيداً عن استباق الحوادث ان قرارات كثيرة تدرس وخطوات عديدة تنفذ لتحقيق هدف اساسي نحو بناء مجتمع الرفاهية لابناء شعبنا وكل ما نرجوه ان يوفقنا الله في خطواتنا لخدمة أمتنا. تجنيد الشباب وتدريبهم | ما رأيكم في تجنيد الشباب وتدريبهم على الرماية والفروسية ، وهل سيساهم الحرس الوطني في ذلك لو نفذت الفكرة؟ || في تقديري أن كل مواطن جندي في خدمة بلاده وأمته وكما في القوات المسلحة حيث تتوزع المسؤوليات وتتعدد أنواع الوحدات العسكرية فهناك الوحدات المقاتلة وهناك الوحدات الادارية والصحة وغيرها ، وكذلك تكون الحياة العامة في أية دولة ذلك أن أي مواطن في ادائه لعمله على الوجه الأكمل يعتبر جنديا في تحقيق أهداف أمته ومما لا شك فيه انه في تاريخ هذه الأمة فترات كان فيها كل فرد قادراً على حمل السلاح مقاتلا فعليا ومجاهدا يلبي النداء حيثما كان ، ومن هذا المنطلق الرائع كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تعليم ابناء المسلمين السباحة والرماية وركوب الخيل. وفي اعتقادي ان تدريب الشباب على الرماية والفروسية يحمل من الاثار في تكون المواطن النفسي والجسماني الشيء الكثير وهو أمر مرغوب لكل الشباب الذين يستطيعون ممارسة هذه الرياضة الجيدة ، وان الحرس الوطني على استعداد تام للمساهمة بكل الامكانيات في ذلك . القراءة | هل تجدون حفظكم الله وقتاً للقراءة وما هي آخر قراءاتكم؟ ||كنت أتمنى لو أن وقتي يسمح لي بالقراءة أكثر مما أفعل حاليا ذلك أن الغذاء الفكري والروحي الذي تحققه المطالعة لا يقل أهمية عن الغذاء اليومي الذي يوفر للمرء استمرار وجوده الحياتي ، وأنت تعلم أن الثقافة تمثل استمرارية الحضارة الانسانية وتحققها على مدى العصور ، وهي تمثل في الوقت نفسه خلاصة الفكر البشري من خلال التجربة ، وبالتالي فانه لا يمكن الاستغناء عنها اطلاقا ..ويحضرني في هذا الصدد قول أحد المفكرين في وصفه لأهمية المطالعة وهو من أجل التعابير (أنني عندما أقرأ كتاب الشعر بأنني أرى بألف عين وأسمع بألف أذن) ..ولكن في الوقت نفسه فان المطابع اليوم تفتح مئات الالاف من الكتب كل يوم بحيث أصبحت عملية الاصطفاء لما تقرأ عملية لا تقل أهمية عن القراءة ذاتها ومع ذلك فان الفائدة التي يحققها المرء من خلال المطالعة تستحق هذا الجهد كله وانني شخصيا أفضل قراءة الكتب المتضمنة للفكر الاسلامي والتاريخي والسياسي والفكر العالمي بشكل عام واخر ما أقرأه الان (عبقرية عمر بن الخطاب) رضي الله عنه في سلسلة العبقريات الاسلامية التي كتبها الأستاذ عباس محمود العقاد رحمه الله. خاتمة والآن آن لقراء الندوة أن يرسو على مرافىء عدد الندوة رقم (4969) المنشور بتاريخ 12/6/1395ه كون ما سبق من أسطر ما هي الا اختزال لحوار مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما كان نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً للحرس الوطني.