نلاحظ وبوضوح اهتمام القيادة الحكيمة - وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين والنائب الثاني بالموهوبين ، ورعايتهم ليجني الوطن ثمار أفكارهم النيرة. وقد أعدت مراكز خاصة تعتني بهؤلاء وتشجعهم على الابتكار. - والحديث عن هذا الجانب التربوي التعليمي لا يخفى على أي متابع لما تنشر وتذيعه الأجهزة الإعلامية عن أنشطة الجهات المهتمة والمعنية بشؤون الموهوبين. - وما أود ذكره هنا عرض موجز لقصة تاريخية تؤكد لنا اهتمام العرب والمسلمين بالاذكياء ورعايتهم من قبل ولاة الأمر. | كان عهد الخليفة العباسي (المأمون) زاهياً بالمعارف والعلوم المتنوعة ، ونبوغ الكثير من العلماء والأدباء في مجال العلوم النظرية والتطبيقية. ومن أولئك البارزين: (موسى بن شاكر) وأولاده الثلاثة: (محمد ، وأحمد ، وحسن) .. ويقال: إن موسى مات صغيراً ، وقد خلَّف أولاده الثلاثة صغاراً ، كانوا محل رعاية (المأمون) وعنايته ، وأوصى بهم اسحاق بن إبراهيم المصعبي ، وأمره بالاهتمام بهم والمحافظة عليهم ، حتى عندما يكون (المأمون) مسافراً يؤكد على هذا الأمر. | وتمشياً مع روح ذلك (العصر الذهبي) توجَّه الأبناء الثلاثة إلى منابع العلوم يغترفون منها المعارف ، بهمة لا تعرف الملل. يقول ابن النديم في (الفهرست): (كانوا ممن تناهوا في طلب العلوم القديمة ، وبذلوا فيها الرغائب ، وأتعبوا فيها نفوسهم ، وأنفذوا إلى بلاد الروم من أخرجها اليهم . فأحضروا النقلة من الأصقاع والأماكن بالبذل السخي فأظهروا عجائب الحكمة ، وكان الغالب عليهم من العلوم: الهندسة ، والحيل ، والحركات والموسيقى والنجوم ..). | ولبني موسى مؤلفات كثيرة في الفلك ، والحيل (الميكانيك) والهندسة ، وقد برهنوا للمأمون أن محيط الأرض 24.000 ميل برهاناً محسوساً ، فضلاً عن مهارتهم في الرصد وغيره. | ويقول الزركلي (في الأعلام): ورأيت في مخطوطات (الفاتيكان) مجموعاً أوله (كتاب الحيل لبني موسى بن شاكر المنجم) لعله هو الذي رآه ابن خلكان. | كان (محمد) أكبر إخوته وأغزرهم علماً خاصة في الهندسة ، وعلم النجوم ، وتعمق (أحمد) في صناعة الحيل ، أمَّا (حسن) فقد كان منفرداً في الهندسة. | ولعل الشيء المهم الذي أوصل هؤلاء العلماء الثلاثة إلى هذه الدرجة العالية من الفهم والتحصيل ، إنما هو: (الاستعداد للتعلم) ثم توفر عامل الرعاية التربوية المنظمة. || لذا كانت عملية الملاحظة واجبة على المربين - في البيت والمدرسة - بحيث يكون الحرص على المتابعة الدقيقة لكل ما يتعلق بميول الأطفال ، واتجاهاتهم العلمية ، وقدرتهم على التميز في فن من الفنون أو أكثر ، ومن ثم منحهم الرعاية الكافية لابراز مواهبهم ، وابراز ما لديهم من أفكار قد تأخذهم إلى مدارج الصفوة من العباقرة والعلماء. والله الموفق.