يغلب على الإنسان طبع الثناء على الفضلاء , فيمتدح صاحب نبل أو صاحب قيمة علميّة أو صاحب مسئولية أو منصب أو جاه أو مال أو سُلطة يَسعى لخيرية الحياة , فلا يكون هدفه مبنيّاً على غرض دنيوي بقدر حثِّه وتشجيعه وتثبيته على مواصلة صنائع المعروف وفعل الخير , والنظر إلى الأبعاد الدَّاهمة التي تتربَّصُ بالوطن والأمة , وقبل أن نلج إلى فحوى موضوعنا يجب أن نجتلي الحقائق المتخفية في ظل نوازع الخصوم والحسَّاد أو أصحاب الأفكار الأجيرة التي تترجم سلوكيات تتعارض مع مناهج الحق والعدل والمساواة , أو التي تسعى إلى بث الأفكار العقائدية المتطرفة لمحاولة فصل الدين عن السياسة لإصابة الأمة بحالات من الانفصام الروحي والنفسي والأخلاقي وتخصيب أرضيّة القبول بالهجين والمستورد والدخيل على الأمة من سلوكيات وأفكار ضالة ومضلِّلة , ولعلمنا مسبقاً بأن دعاة التقدمية والليبرالية والعولمة والاشتراكية والحداثة يصموننا بالرجعيَّة والجمود ولكننا لسنا بصددهم إنما نحن بصدد أمة عربية وإسلاميّة تعتورها مصائب جمّة , وتتكالب عليها قوى تحيك لها شراك الهزيمة والانحطاط للإيقاع بفرائسها في غيبوبة الزمان لفرض شرائع الغاب , والشرب من نفس كأس المعاناة التي ألمَّت بالشعوب المُضطَّهدة التي ذاقت مرارة التشتت والذل والامتهان والفقر والتشرد والمرض , وفي ظنهم أنهم حققوا التقدم بضرب إرادة الأمم وفرض قوانين الانسلاخ من المشاركة في تقنين نظام حفظ النفس الإنسانية وحفظ النوع الخلقي , وهم إنما استطاعوا حفظ النوع السياسي الذي تقوده العصبة أُولو القوّة المسيطرة على مقدرات النوع الإنساني ونبذ الإرادة الخيِّرة لإحلال الإرادة المرغِمَة للشعوب المستضعفة بحجة الحرية الزائفة وحقوق الإنسان المهدورة وهي مزاعم وأيدلوجيات قد انكشفت أغراضها ومقاصدها وأهدافها لدى الشعوب العربية والإسلامية , فمتى يتركونا وشأننا ؟ ننعم مع شعوبنا وعروقنا وعقيدتنا في ظل قياداتنا التي ارتضيناها منا وحَكَّمناهم في آلامنا وآمالنا وشاركونا في أفراحنا وأتراحنا, فنحن نعرف أن مصالحنا تمتزج في مصالحهم وحياتنا مرهونة بحياتهم وحضارتنا تنبع من رُقي مفاهيم توجُّهاتهم وأمنُنَا لا يتأتَّى إلا من أمنِهم , ونحن عندما نشارك بأقلامنا الحرة النزيهة فإنما ننشد تواصل المعاني الأخلاقية المستقاة من الدين الإسلامي في تكريس دواعي النصح والرشد والتآخي فيما بيننا وبين قيادتنا لأنَّهم قدرنا الصادق الأمين ونحن قدرهم الوفي النبيل القائم على كرامة الإنسان وإلى محاربة من يُحاربنا ويحاربهم ومسالمة من يسالمنا ويسالمهم في إطار مواثيق الإخاء والحق والعدل والمساواة. وما دعاني أن أكتب هذه المقدمة هو ما أثارته في نفسي وفكري تلك الكتب المهداة إليَّ من الأستاذ الدكتور مطيع الله الصرهيد العوفي الحربي الباحث الذي صاحبته لأكثر من ربع قرن من الزمان , والذي أصاب بعلمه مكامن العقول الراشدة في تتبع سيرة الإرهاب تتبُّعاً قائماً على تسلسل الأحداث وتعاقبها عمد فيه إلى تضمين الهدف والنتيجة في إطار البحث العلمي عاكفاً ودارساً لهذه الظاهرة من مظانها ومراجعها في بداياتها قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر بثَّها في موسوعته عن الإرهاب المنظم في عدة كتب بحثية وهي بعناوين (الإرهاب في الإسلام) و(كيف تسلل الإرهاب) و(أسباب الإرهاب) و(الخروج من الأزمة) فهو كالطبيب الذي يحاول اكتشاف الحالة المرضية وتحليلها ومعرفة أسبابها ثم يضع لها العلاج النَّاجع للاستشفاء وفق ضوابط فقهية وقوانين وضعية مستمدة من الشريعة ومن المراجع القانونية الدوليَّة ومن الأفكار العلمية المتخصصة عبر دوائر علماء النفس والاجتماعيات في أغلب دول العالم , مستفيداً من لغة المناصحة التي ألزم نفسه بها من خلال لقاءاته بمن ضلوا عن الهدى وحادوا عن الرشد , وتنكبوا الطرق لركوب مراكب إغراءات النفوس إلى الشر وإلى إزهاق أرواحهم وأرواح الآخرين الآمنين المسالمين ,وهو في بحثه لهذه الظاهرة لم يكن بالمروج لأفكاره بغية ذيوع صيت أو إضفاء قيمة وهميَّة , وإنما هدفه تقويم النفوس في إطار أخلاقي مُمنهج وقائم على دراسة موضوعيّة من أهم أهدافها النظر إلى عوامل الجهل والفقر اللذين أسلما تلك البراعم الشابة إلى سلوك مسالك الجريمة نتيجة لسوء التربية المنزلية والمدرسية والحريّة غير المقنَّنة لبعض الشباب وعدم متابعتهم بالتوجيه الصحيح والسليم من أولياء الأمور وتركهم نهباً لرفقاء السوء يحملوهم إلى تبنِّي الأفكار السالبة لإرادة الخير حتى تم غرس عوامل الشَّر فيهم إلى أن وصلوا إلى ما وصلوا إليه حين تقاذفت بهم رياح التَّغريب والتطرف الديني الذي كان يَدُسُّهُ فيهم بعض من زعموا بأنهم طلبة علم مدَّعين بفهم الشريعة وقد خرجوا بمفاهيم نابعة من تفسيرات ذاتية خاطئة وخاضعة لأهواء وأغراض لا تسعى إلى التقويم بقدر ما تسعى إلى الهدم الذي صبَّ جام حقده على الوطن وأبنائه. إن القارئ لهذه الموسوعة يجد البعد التاريخي للحركات الإرهابية والأشكال الإجرامية التي نشأت مع نشوء البشرية وتعرض لها أنبياء الله مثل أبينا إبراهيم عليه السلام , وعيسى عليه السلام , ونبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من أولي العزم من خلال تواتر السير في الكتب السماوية ومنها القرآن , ثم قام الباحث الأستاذ الدكتور مطيع الله بدراسة آثار الإرهاب في الأمم القديمة منذ عصور الرومان والفرس والبيزنطيين والألمان والفرنسيين والصهاينة اليهود والشيوعيين والقرامطة لإكساب البحث الموسوعي القيمة والفائدة التي توخَّاها لتدعيم الدراسة , ثم انتهى به البحث في كتاب عنوانه (رسالة إلى الحكام الخروج من الأزمة) وهي توصيات واقتراحات مستمدة من آراء بعض الفقهاء والمفكرين تهتم بالنَّاحية الاقتصادية ورفع مستوى معيشة الفرد, والاهتمام بالتعليم ومستجداته , وإذكاء روح العمل والتشجيع وإيجاد الأعمال المتخصصة لسد دواعي البطالة بين الشباب , والتعاون فيما بين قوى الأمن والإعلام ببث البرامج الهادفة في القنوات الإعلامية , وتوظيف القدرات الفكرية المؤهَّلة من الدعاة والعلماء الذين يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة بعقد دورات للأئمة والدعاة والخطباء لرفع مستوى الكفاءة الفكرية لتفاعلهم مع الأحداث وتفعيل دور المسجد والمنتديات الثقافية لخلق التأثير على عقول الأجيال , كذلك إنشاء قناة إعلامية تختص بمكافحة الجريمة والإرهاب , وفتح قنوات الحوار مع هذه المجموعات وأخذ من يُرجى فيه الخير بالأسلوب الحسن والترغيب أكثر لإعلان ندمه على ما فرَّط وأسرف على نفسه , والإعلان في وسائل الإعلام عن العقوبات المترتبة على محترفي الإرهاب أو المنضمين إلى فصائله أو الداعمين له ليكون معروفاً لدى العامة فتتضافر الجهود الشعبية مع أجهزة الدولة للوقوف صفَّاً واحداً ضدَّ الإرهاب وتنظيمه. إن هذه الموسوعة التي جهد في الإعداد والبحث والدراسة وإظهارها للعيان الأستاذ الدكتور مطيع الله الصرهيد العوفي الحربي هي موسوعة جديرة بالاهتمام والقراءة, وجديرة بأن تكون ضمن المقررات المنهجية في المدارس والجامعات لما يعود بالفائدة الكبيرة والقيمة النبيلة لما تحتويه من قدرة داعمة على ترصُّد هذه الظاهرة , ومحاولة الخروج منها بتوعية أولياء الأمور والمدرسين وأفراد المجتمع المدني ووسائل الإعلام وقوى الأمن في الإلمام بطرق التعامل مع هذه الظاهرة بما يكفل وأدها في مهدها قبل أن تستفحل وتؤدي إلى هلاك المجتمعات والأوطان. من شعري: سقيتُ نخلك من نهرِ الأغاريدِ وعدتُ أسقيك من عيدٍ إلى عيدِ سنا حجازِك ضوءُ القلبِ يا وطني وليلُ نجدِك كحلُ الأعينِ السودِ هنا على القربِ آثاري ومملكتي وأمتي من كرامِ الخَلْقِ والصِّيدِ تَعَطَّرَتْ مِنْ شذاها كلُّ سانحةٍ وأمطرتْ من نداها كلَّ موعودِ تلك الصباحاتُ بالأضواءِ يغمرُها رجعُ الحنينِ إذا ما رَمْلُها نُودي في غمرِة الصيفِ أورادي أنَمِّقُها وفي مرابِعِها قد طابَ مولودي يا موطنَ النُّور أيَّامي قَدِ انبهرتْ وأورقتْ نجمةٌ في صفحةِ البيدِ أنتَ الذي شعَّ في أرضِ الهدى قبساً أضاء بالبشرياتِ البكرِ تمجيدي أرضي هي الحبُّ لا الإرهابُ ما برحتْ ملاذَ كلِّ رفيعِ القدرِ محمودِ قرأتُهُ وطناً بالأمسِ يفطرُنا على النبالةِ والأخلاقِ والجودِ وَجَدْتُهُ والندى وَعْدٌ على سفرٍ مُحمَّلاً بعطورِ الوردِ والعودِ يُعطي العطايا وليلُ الغدرِ محتشدٌ بخبثِ مرتزقٍ أو حقدِ منكودِ يا موطني نامَتْ الأيامُ مِنْ زَمَنٍ وقد صحونا على غدرٍ وتبديدِ فاسترجعي يا بلادي مجدَ أُمَّتِنا واستجمعي النصرَ في جدٍّ وتوحيدِ ليحمِكِ الله مِنْ شَرٍّ وَمِنْ حسدٍ وليحمِ شعبَكِ من ذلٍّ وتشريدِ فلترفعي رايةَ الإسلامِ عاليةً ولترشدي عصرنا الأولى بترشيدِ