كلما حطت بي الطائرة بمطار أتاتورك بمدينة اسطنبول التركية أقف بين أطلال ماضٍ معالمه بارزة وحاضر يسابق الزمن ولكل منهما دوره في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذه المدينة التي يقصدها السواح على مدار العام من أقطار العالم . واسطنبولالمدينة التي قال المؤرخون إنها تأسست قبل 2600 عام وجعلها الإمبراطور قسطنطين عاصمة للرومان تشعرك بعظمتها وقوتها فتقف بين أطلال ماضيها لتستقرىء تاريخها وتنظر لسورها الصلب الذي وقف شامخا صلبا أمام عظماء القادة العسكريين فلم يتمكنوا من تجاوزه حتى جاء الدور على السلطان محمد الثاني الذي استطاع بقوة ايمانه وخبرته القتالية أن يجتاز السور ويفتح المدينة وينال حينها لقب الفاتح . وبين شوارعها وطرقاتها العتيقة والحديثة يشدك نظرك نحو مدينة استطاعت أن تسحر القلب وتجذب العين بضوء شمسها واضاءة ليلها . ورغم أن تركيا دولة علمانية كما عرف عنها غير أن مآذن مساجدها تقف شامخة بعلوها وطابعها المعماري الخاص مؤكدة حرص المسلمين الاتراك على أداء صلواتهم داخل هذه المساجد . ومن يزور اسطنبول فسرعان ما يقف متعجبا لبناء جامع السلطان أحمد الأول الذي يعرفه البعض بالجامع الأزرق والذي يشكل في بنائه لوحة من الفن المعماري بمآذنه الست اضافة الى مسجد “ آيا صوفيا “الذي كان يوما كنيسة فأصبح مسجدا أمام اصرار المسلمين . ولايغيب عن زائر تركيا متحف “ توب كابي “ الذي أقام به السلاطين العثمانيون من عام 1478 1853 م ويقع على مقربة من بحر مرمرة ويعد من أغنى متاحف العالم ويضم أندر الكتب والمخطوطات الاسلامية . وان كانت مدن العالم تمتاز بأسواقها التجارية فان أسواق إسطنبول تجمع بين القديم في العديد من الأسواق وأشهرها “ السوق المصري “ المعروف ب “ كباتي شرشا “ والحديث الذي يتزين أطراف المدينة بمولات متعددة الادوار وبكل منهما العديد من المنتجات المتنوعة غير أن ما يجذب السائح هو الصناعة التركية التقليدية . أما الصناعات الحديثة ذات الجودة العالية خاصة الألبسة الجاهزة منها فلها من السحر نصيب يجذب المتسوقين بكافة شرائحهم وجنسياتهم . ولا يمكن أن يقال عن اسطنبول سوى أنها المدينة المزدحمة نهاراً الهادئة ليلاً الجامعة بين الأصالة والحداثة والصلابة ونقاء القلب وهذا ما يراه الزائر لها . ورغم الحضارة المتسارعة التي تعيشها تركيا كغيرها من دول العالم فلازال الكثير من الاتراك محافظين على صناعاتهم التقليدية من مشغولات يدوية تبيعها السيدات بالقرب من المناطق السياحية اضافة الى المنسوجات الحريرية المتعددة الألوان . وهذا مايؤكد أصالة الشعب التركي وقدرته على مواكبة العصر مع المحافظة على هويته الخاصة .