إذا ما نظرنا إلى قصة بناء البيت نجد أن المولى سبحانه وتعالى بعدما خلق الله الأرض أمر الملائكة عليهم السلام ببناء البيت الحرام مقابل البيت المعمور في السماء ، ثم أعيد رفع بنائها عدة مرات ابتداء من سيدنا آدم عليه السلام مروراً بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، ولما أرادت قريش بناء الكعبة وذلك بعدما قامت امرأة بتجميرها بالبخور فطارت شرارة في ثوبها فاحترق أكثر خشبها ثم إن سيل الأمطار صدع جدرانها ، فعزمت قريش على هدمها وإعادة بنائها مع رفع باب الكعبة حتى لا يدخلها إلا من شاءوا ، بعد أن تعرضت الكنوز التي كانت بها وخزانتها للسرقة فقرروا جمع تكاليف البناء من حر مالهم وعندما وصل البناء بقريش إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يتشرف بوضع الحجر الأسود في مكانه وكادوا أن يقتتلوا ، فأشار عليهم أبو أميمة المخزومي - وقد كان أكبرهم سناً - أن يحكموا أول داخل من باب الصفا فوافقوا ، وكان أول الداخلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم عندما رأوه قالوا: هذا محمد الأمين رضينا به حكماً فأمرهم أن يبسطوا ثوباً فوضعه فيه ، ثم أمر ممثلي القبائل أن يأخذ كل ممثل قبيلة بطرف من الثوب ورفعوه إلى مكان الحجر الأسود وعندما حاذوا مكانه رفعه الرسول صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين فوضعه في مكانه. وبذلك حقنت دماء قريش ، وعادت الألفة والمحبة بين رجالات قريش ، وانتهى الخلاف الذي لم يكن لينشأ إلا لمعرفة قريش قدر وأهمية الحجر الأسود. فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أكد ذلك المعنى وأضاف إليه قدسية هذا الحجر حيث جاء في فضل هذا الحجر المبارك انه يمين الله في الأرض يصافح الله به عباده كما يصافح الرجل أخاه حيث قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان يتكلم عمن استلمه بالنية وهو يمين الله) رواه ابن خزيمة ، والحاكم في المستدرك ، وهذا الحجر وملتقى شفاه الأنبياء من قبله فيا لشرف من قبل هذا الحجر الذي قبله الأنبياء الكرام وقد ازداد هذا الحجر شرفاً على شرف بعد أن قبله سيد الأولين والآخرين الرسول الكريم فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود ، فلا ادع استلامه في شدة ولا رخاء) رواه البخاري. ولاستلام الحجر الأسود آداب يسن الأخذ بها لمن أراد أن يقبل ويستلم الحجر الأسود أن يقبل الحجر ثم يمسح الحجر بيده ثم يمسح وجهه بيده. ويقول عند الاستلام (بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك واتباعاً لسنة نبيك ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم). ولكن ينبغي لمن أراد استلام الحجر الأسود أن يحرص على عدم ايذاء اخوانه المسلمين ، ولا يرفع صوته عند التقبيل ، وأما النساء يستحب لهن التقبيل في أوقات مخصصة. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الحجر الأسود يشهد لمن قبله ويأتي يوم القيامة له عينان يبصر بهما - ولسان ينطق به ليشهد على من استلمه بحق فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبعثه الله (الحجر الأسود) يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به ليشهد على من استلمه بحق) رواه الترمذي ، وقال حديث حسن. فاللهم اعصمنا ونجنا ويمن كتابنا. والحمد لله رب العالمين.