استشعار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – بالمسؤولية، وحرصه الشديد، على الوطن والمواطنين وكل من يُقيم على أرضه لينعم بالسلام ويعيش في أمن واطمئنان، ورعايته لمصالح الأمة وتفاعله المباشر مع آلام المواطن والمقيم وتخفيفه مصاب المنكوبين ، وتجسيده المعنى الحقيقي للأب الحاني على أبنائه المتضررين .. فالشجاعة التي يضعها نُصب عينيه في تقصي الحقائق ، وقوته في الحق الذي لا تأخذه فيه لومة لائم وردة الفعل السريعة فهي تحمل أعظم معاني الأمانة التي تجري في دمائه _ رعاه الله _ مجرى الدم ، كل ذلك وأكثر تجلى في الأمر الملكي الذي أصدره يوم الاثنين الثالث عشر من ذي الحجة الحالي للتحقيق في فاجعة وكارثة سيول الأربعاء التي خلفتها الأمطار التي هطلت على محافظة جدة يوم الثامن من ذي الحجة الحالي، والذي ضمد الجراح وكان بمثابة البلسم الشافي من الأوجاع ، والسيف القاطع لكل يد تمتد إلى خيرات الوطن وتلحق الضرر به ، وبأرواح مواطنيه وتفاقم الخسائر في الممتلكات العامة و الخاصة ، ليحاسب كل من تُشير إليه أصابع الاتهام ويثبت تورطه لينال عقابه ،ويدفع ثمن أخطائه، فالجزاء دائما من جنس العمل . لقد أكدت الصرامة في الأمر الملكي الوقفة الصادقة مع النفس فقد ترجم إحقاقه للحق ووفاءه بالوعد وكرم أخلاقه وجزيل عطائه في وفائه للعهد حين قال:(اضطلاعاً بما يُلزمنا واجب الأمانة والمسؤولية التي عاهدنا الله تعالى على القيام بها، والحرص عليها تجاه الدين ثم الوطن والمواطن وكل مقيم على أرضنا، فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسئولين عنه جهاتٍ وأشخاصاً ومحاسبة كل مقصر أو متهاون ) وأعاد ذاكرة التاريخ إلى شجاعة مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود _رحمه الله _ عندما ألقى بلاغاً لسكان الحجاز في الثاني عشر من جمادى الأولى عام 1343 ه قال فيه :( لا كبير عندي إلا الضعيف حتى أخذ الحق له ، ولا ضعيف عندي إلا الظالم حتى أخذ الحق منه ، وليس عندي في إقامة حدود الله هوادة ولا يقبل فيها شفاعة . فمن التزم حدود الله ولم يعتديها فأولئك من الآمنين ومن عصى واعتدى فإنما إثمه على نفسه ) ... عبارات للوالد المؤسس رسم بها سياسة خطوات الأبناء ، وقائد جعل من الحزم سبيل صياغة الأهداف ، لتكتمل المسيرة المباركة وفق رؤى مشتركة تمثل الدرع الوطني للسيادة. وبصورة ملموسة كان الشعور بعظم الأمانة في عدم التهاون مع من أخل بأركانها وساهم في تفاقم الكارثة وزيادة حجم المأساة .. فعندما يقول المليك المفدى بأن (هؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا) وإيماناً منه بذلك فقد فتح باب المحاسبة وجعل من استدعاء السلطة واستحضار الرقابة ولجنة تقصي الحقائق لكشف خيوط شبكة التجاوزات ومعرفة المتسببين في هدر الموارد والإمكانيات وتطهير المجتمع من الشوائب العالقة في جسده وتعمل على تشويه مظهره ليقوم العدل بعملية بتر العضو المسئول عن الداء .. لقد كانت كارثة سيول الأربعاء أحد أسوأ آثار تراكم الأخطاء والعبث والتقصير في أداء الواجبات والتخلي عن أداء الأمانة والاستهتار في العمل والإهمال في التنفيذ !!. فعند وجود بوادر مؤشرات فشل أي جهاز تأتي سياسة الإصلاح الإداري كقضية ملحة في مقدمة الاستراتيجيات التي تواكب التغيير ، وتساعد منهج البناء في إطار فلسفة الجهود للتعامل مع مقومات الفاعلية التي تركز على مواجهة المواقف والتصدي للصعوبات وحل المشكلات وتجنب حدوث الأزمات وتعظيم المصلحة العامة وتحقيق الأهداف من أجل الوصول إلى الغايات .. فمن الظواهر الجوهرية التي تثبت وجود الخلل واعتلال ميزان الصواب وضوح الحقائق المستقرة في عدم تواصل الجهود المبذولة لتقديم خدمات معينة أو تنفيذ المشروعات المطروحة ، فالترابط مطلوب والتنمية تعتمد على بلورة الجهود وفق استراتيجية متكاملة تتابع فيها عمليات التطوير ، لكن عندما يصبح الهم الأول لكل مسئول في فترة مسئوليته الحرص على إهدار الجهود السابقة أو إسدال الستار على منهجيتها ربما لتعارضها مع رؤيته الشخصية أو خططه الموضوعية أو متطلبات المراحل الجديدة ، أو.......أو .......!! المهم كان لنتائج الممارسات غير المنطقية مخرجات سيئة و نواتج مخيفة ومخاطر لا تُحمد عُقباها !!