يلبس مشعر منى هذه الأيام أبهى حلله ، ويتجمل بأفخر ثيابه وأغلاها ، ويمتطي من الإبداع ما يفوق الكلام وصفاً والمشاعر تعبيراً ، ليس لأنه يحتضن أضخم المشاريع في الأماكن المقدسة فحسب ، بل لما يكتنزه من روحانية إيمانية ، ومشاعر فياضة تحرك الوجدان والأفئدة اكتسبه من استقباله لجموع حجاج بيت الله الحرام اليوم الأربعاء الثامن من شهر ذي الحجة لقضاء يوم التروية استعدادا للوقوف بصعيد عرفات ثم رمي الجمار في أيام التشريق . كان اليوم السابع الذي يسبق توافد الحجيج للمبيت في مشعر منى فرصة مؤاتية لرصد وقائع ممزوجة بمشاعر خلاقة لم تكن لتوجد إلا في مثل هذا الموضع الشريف وفي مثل هذا الوقت العظيم .كانت أروع المشاهد التي يتم رصدها للواقف في المشعر تلك الطوابق الخرسانية التي تكاد تنطق من روعة بنائها وشموخها الذي يعانق جبال منى العتيقة ؛ منهية بهذا الصرح العظيم معضلة كانت تشكل هاجساً للمسئولين عند احتشاد الجموع في المشعر المبارك لرمي الجمار، مجسدة نهضة تطويرية كبيرة طالت كل المشاعر المقدسة وبالخصوص مشعر منى . تختلط المشاعر روعة بالمكان وانبهاراً بحجم المشاريع التي نفذت ، واستعجاباً بالقدرة الهائلة لتحقيق تلك القفزات في مدة قصيرة عند المسير في الطابق العلوي المكشوف لجسر الجمرات المكون من خمسة أدوار حيث يبلغ طول الجسر الجديد (950) مترا ، وعرضه (80) متراً قادرة على تحمل (12) طابقا في المستقبل إذا دعت الحاجة بحسب مواصفات المشروع ، وتحمل خمسة ملايين حاج ، ويرتفع الدور الواحد اثني عشر مترا متضمناً ثلاثة أنفاق ، و(11) مدخلاً للجمرات ، و(12) مخرجاً في الاتجاهات الأربع إضافة إلى تزويده بمهبط للطائرات المروحية في حالات الطوارئ ونظام تبريد متطور يعمل بنظام التكييف الصحراوي يضخ نوعا من الرذاذ على الحجاج والمناطق المحيطة بالجمرات مما يؤدي لخفض درجة الحرارة إلى نحو (29) درجة. وقد أسهم مشروع تطوير منطقة الجمرات في تسهيل عملية الدخول إلى الجسر عبر ستة اتجاهات متنوعة تسهل عملية تنظيم الساحات المحيطة بجسر الجمرات لتفادي التجمعات بها والسيطرة على ظواهر الافتراش حول الجسر. وعلى امتداد جسر الجمرات تقابلك الشواخص الثلاثة للجمرات الصغرى والوسطى والكبرى تم تهيئتها وتوسعتها بشكل يتناسب مع واقعها الحالي معلنة في الوقت نفسه عن انتهاء قصة الزحام والتزاحم حولها لتضع هذه القصة من التاريخ ، حيث يتمكن الحاج من رمي الجمار بيسر وسهولة عبر طريق ذي مسار واحد ، وقد تم عزل الجدران الخرسانية المحيطة بالجمرات الثلاث بجدار إسفنجي يحمي الحجاج عند الرمي . كما يحتوي مشروع الجمرات على أكثر من عشرين مركزاً صحياً مجهزاً بالخدمات الإسعافية الطارئة تتيح إمكانية وصول سيارة الإسعاف لكل مركز في الطوابق الأربعة عن طريق مصاعد مخصصة لسيارات الإسعاف تنقل المرضى والمصابين . وتكامل الخدمات البلدية والخدمية والإسكانية والإرشادية في مشعر منى من الأمور البارزة التي تستدعي الوقوف على كثير منها من قوى بشرية من أبناء المملكة العربية السعودية وفي مقدمتهم رجال أمن والبالغ عددهم (100) ألف ضابط وفرد مرددين (خدمة ضيوف الرحمن شرف لنا) في صورة لا تقل روعة عن ما سبق ، فمن كل قطاع .. قوة بشرية ، اختلفت في اللباس ، واتفقت على الهدف. وإزاءهم ترى جموع الكشافة تتسابق لخدمة ضيف الرحمن من طلاب المدارس الذين غادروا الأهل والأصحاب لما يحملون في نفوسهم من إقبال وحرص على خدمة الدين والوطن. وبين رجال الأمن ورجال الكشافة تمر بك بقية الاستعدادات التي لاتكل عملاً ولا تمل جهداً لاستقبال ضيوف الرحمن القادمين من كل فج عميق ، فبالإضافة لما سبق ، فقد هيأت جميع الوسائل الخدمية من نظافة دائمة ومستمرة عبر فرق تعمل على مدار الساعة وموزعة في مناطق المشعر ، كما تم توزيع عدد من اللوحات الإرشادية بعدد من اللغات لترشد الحجاج بحدود مشعر منى وتوجيه الحجاج للمواقع الخدمية في المشعر , ولوحات أخرى تحث على أهمية الحصول على تصريح الحج ، ولوحات أخرى تعنى بالتوجيه حول لحوم الهدي ، كما اتخذت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد مواقع في منى تهتم بالدعوة ونشرها عبر عدد من كبائن اتصال مجانية تهدف للإجابة عن استفسارات الحجاج ومساعدتهم على أداء مناسك الحج. وفي منى خدمات جليلة أخرى لا تقل أهمية عما ذكر تتعلق بشبكات تصريف مياه الأمطار والسيول واستحداث مجاري خرسانية للمياه تساند شبكات التصريف ، لمواجهة مخاطر السيول ، بالإضافة للمتابعات المستمرة للأحوال الجوية بالتنسيق مع الرئاسة العامة للأرصاد, لمعرفة احتمالات سقوط الأمطار خلال أيام الحج, إضافة إلى تجهيز عدد من الوحدات الميدانية وفرق الإنقاذ المائي التي تضم أعداداً كافية من الغواصين والسباحين المؤهلين ومجهزة بالقوارب والمعدات لكل أعمال الإنقاذ في حوادث السيول, إضافة إلى المصدات المائية، لتقليل مخاطر السيول على مشعر منى وخاصة في الجهة الشمالية, ودفع المياه باتجاه نفق بطول أربعة كيلومترات إلى خارج الوادي . بالإضافة إلى خدمات تتعلق بصيانة التمديدات الصحية والكهربائية في المشعر، وبرنامج الحلاقة والبرامج التدريبية في تخصصات الشبكات والدعم الفني والإدارة المكتبية والمحاسبة والتسويق وبرنامج آخر للسيارات والتي توفر خدمة مجانية في مجال خدمة الصيانة الفنية الطارئة. وفي المجال الصحي تم تهيئة مستشفى منى الذي يعد أحد المستشفيات الموسمية المتطورة التي تقدم خدماتها الصحية لضيوف الرحمن بجودة عالية ولجميع التخصصات ، ويبدأ العمل في الإسعاف والدخول في المستشفى من الساعة 8 صباحاً من يوم 7/12 وحتى الساعة 8 مساء من يوم 13/12 فيما تبدأ العيادات الخارجية عملها من الساعة 8 صباحاً إلى الساعة 12 منتصف الليل حتى صباح يوم 14/12 ، بالإضافة إلى مستشفى القوات المسلحة بمنى والمجهز بجميع العيادات التخصصية وعيادات ضربات الشمس. وحول التلوثات المحتملة في مشعر منى قامت مديرية الدفاع المدني بعمل خطة تهدف لتأمين سلامة حجاج بيت الله الحرام هذا العام أثناء وجودهم بمنى وفق دراسات علمية دقيقة لتحليل المخاطر المرتبطة بالطبيعة الجغرافية لوادي منى، الذي تحيطه الجبال من عدة جهات وتمر عبره شبكة من الأنفاق التي يستخدمها عدد كبير من السيارات والآليات والحجاج، حيث تم تجهيز (98) فرقة للإطفاء والإسعاف والإنقاذ، إضافة إلى (200) دراجة نارية لدوريات السلامة والإشراف الوقائي, تغطي جميع أرجاء مشعر منى على مساحة تزيد على 8 كيلو مترات. كما تضطلع عدة لجان عاملة في مشعر منى في نطاق لجنة الحج المركزية وهي لجان تعنى بالشؤون الإدارية والثقافية والإعلامية ولجان متعلقة بالإسكان والنقل والمواصلات والإعاشة والمتابعة تبذل قصارى جهودها لتقديم أفضل ما عندها لتوفير خدماتها للضيوف بهدف تهيئة الراحة والطمأنينة لهم . كما تقوم جمعية الكشافة السعودية هذا العام في مشعر منى بتطبيق تقنية الGPS للمرة الأولى في أعمال المسح والإرشاد ، وهي خدمة تهدف لتسهيل وتطوير عملية الإرشاد في موسم الحج . وعلى صعيد الشبكة الكهربائية في مشعر منى فقد تم إيصال الكهرباء لمشروع تطوير وتوسعة الجمرات بمشعر منى بحمل قدره 12 ميقا فولت أمبير.