في هذه الحلقة نلقي الضوء على طواف النبي صلى الله عليه وسلم وكيف انه علم الصحابة وهم يطوفون معه، فعندما أتموا الأشواط السبعة كانوا كلما مروا بالركن اليماني استلموه فأتموا الأشواط السبعة، وكلما مروا بالركن اليماني استلموه في غير مزاحمة، مكبرين مبسملين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما اقتدوا به في تقبيل الحجر الأسود مرددين فيما بين هذين الركنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) لأن الله تعالى رب الدنيا، ورب الآخرة، عنده خزائن السموات والأرض، من خيري الدنيا والآخرة، ونحن مركبون من جسد وروح، فنطلب للجسد حسنة الدنيا، وللروح حسنة الآخرة، وما كان عطاء ربك محظورا. ثم توجه صلى الله عليه وسلم خلف المقام فقرأ صلى الله عليه وسلم (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) بفتح الخاء وكسرها: فتحها على المدح والإطراء، وكسرها على الهدى والإرشاد. ومقام إبراهيم هو المكان الذي كان يقوم عليه سيدنا إبراهيم، وهو يرفع القواعد من البيت وإسماعيل، عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، استمد هذا الشرف وهذه المزية من قيام إبراهيم عليه والأماكن تتبارك بما يلامسها.. وكذلك الأزمنة، كشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.. والله يختص برحمته من يشاء وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته وهو يقول واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى بحيث يسمعه الناس. وصلى – صلى الله عليه وسلم – ركعتي الطواف، قرأ في الأولى الفاتحة والكافرون، وفي الثانية الفاتحة والإخلاص، وفي سورتي الكافرون والإخلاص كل دعائم التوحيد، أما الفاتحة فهى قمة التبتل والمناجاة. وتبعه في ذلك أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين الذين كانوا يتتبعون خطاه ويسيرون على هداه. بعد الطواف أقبل النبي على الحجر الأسود فاستلمه وقام بين الركن والباب الملتزم وقيل الحطيم فوضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه وبسطهما بسطا حتى لا يكاد جزء من جسده الشريف إلا ومس الملتزم ليعلم الناس كيف يبالغون في تعظيم حرمات الله، أدبا مع الله وحده وابتغاء مرضاته في حدود ما شرعه الله وما سنه أو بينه حبيبه الأعظم صلوات الله وسلامه عليه. ثم أتى صلى الله عليه وسلم زمزم وهى البئر التي فجرها الله تعالى لسيدتنا هاجر وابنها اسماعيل عليهما السلام، فكانت مصدر خير لسيدتنا هاجر ولابنها الرضيع عليهما السلام ومصدر خير لهذا البلد الذي تجبى إليه ثمرات كل شئ إذا ما نبع الماء منها حتى حلقت عليها الطيور التي استدل بها الناس على أن ثمة عينا يشرب منها الطير ويحتاج إليها الناس إلى آخر القصة. وقد أقبل صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويعلم الناس أن هذا الماء مبارك فيه ويدل على الشرب منها تبركا، وأخذ يصب على رأسه الشريف منها، وكذلك فعل الصحابة رضوان الله عليهم، وكذلك يفعل الناس حتى اليوم إلى أن تتبدل الأرض والسموات والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يقول صلوات الله وسلامه عليه: «ماء زمزم شفاء سقم وطعام طعم، خير ماء على وجه الأرض، ماء زمزم لما شرب له» ونحن إذ نشربه ينبغي أن نتذكر المثل الرائع النادر الفريد الذي ضربته سيدتنا هاجر في التوكل على الله وحسن الظن به بل وضربه أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أسكن زوجه ومعها فلذة كبده بواد غير ذي زرع عند هذا البيت المحرم، أول بيت وضع للناس، امتثالا لأمر الله تعالى واثقا أنهما في أمان الله وحفظه من كل سوء: «وأنا عند حسن ظن عبدي بي فيظن بي ما شاء». اللهم ارزقنا حسن الظن بك وحب الخير لعبادك واجعلنا ممن إذا حج بيتك المحرم أو امتثل أمرك في أي أمر من الأمور لم يقصد إلا وجهك الكريم، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» وادخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا غفار.