من المسلم به بأن حصول الأفراد على حقوقهم وسيادة العدل والمساواة هي من أهم اللبنات الأساسية التي قام على أثرها بناء الفقة الإسلامي , حيث وضعت الشريعة الإسلامية الكثير من الضوابط والقواعد التي تكفل للأشخاص الحصول على حقوقهم دون المساس بحقوق الغير عملاً بالقاعدة الفقهية المستمدة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وسارت القوانين الوضعية أيضاً على النهج الذي سلكه الفقة الإسلامي , حيث إن نظرية الحق تعد من إحدى أقدم وأهم النظريات التي استند عليها فقهاء القانون الوضعي في تشريعاتهم وقوانينهم , وكان موضوع (التعسف في استعمال الحق) من أهم النقاط التي ارتكز عليها فقهاء القانون عند حديثهم عن نظرية الحق , وبالطبع فإن شريعتنا الشاملة لم تغفل عن هذه الجزئية المهمة وتحدثت عنها بشكل موسع ضمن نطاق القاعدة الفقهية (لا ضرر ولا ضرار) والتي تم ذكرها آنفاً . ومعنى التعسف في استعمال الحق هو عدم جواز استخدام الشخص لحقه في الحدود التي رسمها له القانون إن كان يترتب على استعماله لحقه الإضرار بحقوق الآخرين , وينبغي أن تتم التفرقة بين التعسف في استعمال الحق والخروج عن نطاقه , فالمتعسف يمنع من ممارسة حقوقه التي وضعها له القانون إذا ترتب عليها الإضرار بالآخرين , بينما الخارج عن نطاق الحق يتجاوز الحدود الممنوحة له من قبل القانون وبالتالي يكون مخطئاً وملزماً بإزالة هذا التجاوز , وقد وضع الفقة الإسلامي والقانون الوضعي مجموعة من النقاط التي توضح النطاق والمعايير التي تندرج من خلالها نظرية التعسف في استعمال الحق , فيعتبر الشخص متعسفاً إذا كان استخدامه لحقه سوف يصيب اضراراً بحقوق الآخرين سواء كان ذلك عن قصد وتعمد أو غير ذلك وكذلك فإن صاحب الحق يصبح متعسفاً إذا لم تتناسب مصلحته من الاستعمال مع الضرر الذي يصيب الغير نتيجة استعمال ذلك الحق , وأخيراً فإن المعيار الثالث الذي وضعه الفقهاء لدخول صاحب الحق ضمن نظرية التعسف هو عدم مشروعية المصلحة كأن تكون مخالفة لما شرعه الله تعالى أو منافية للنظام العام والآداب , ونظرية التعسف في استعمال الحق مرتبطة بامتلاك الحقوق , وكلما زادت دائرة الحقوق المكتسبة للشخص اتسع نطاق استيعاب النظرية للمزيد من الأشخاص , وفي عصرنا الحديث ومع سرعة حركة العجلة الحياتية ودخولنا في عهد الحداثة والتطور ظهرت أنواع جديدة لنظرية التعسف في استعمال الحق , كتعسف المدير في قراراته ضد مرؤوسيه , أو عن طريق احتكار بعض التجار لسلع معينة وهو ما يمكن ادراجه تحت نظرية التعسف في استعمال الحق , أو عن طريق مماطلة بعض منسوبي الأشخاص المعنوية العامة للمراجعين واتباعهم لروتين معين لا هدف له وهو ما يصح ادراجه تحت نطاق هذه النظرية, وغيرها من الأساليب التي تجعل الشخص يدخل ضمن نظرية التعسف في استعمال الحقوق المملوكة له عن طريق استغلال النفوذ والسلطة والصلاحيات الممنوحة له. اتمنى من كل شخص يمتلك حقوقاً سواء كانت مكتسبة أو طبيعية أن يضع نصب عينيه بأن المماطلة واستغلال النفوذ والسلطة والصلاحيات ليست في حقيقتها إلا أمور مستحدثة من نظرية التعسف في استعمال الحق والتي نهى عنها ديننا قبل أن تمنعها القوانين والأنظمة , وإن الإسلام والقانون سمحا لنا باكتساب الحقوق ولكن حرما علينا التعسف فيها . والله من وراء القصد ,,,