تمر الأيام يوماً بعد يوم ، والعمر ينقص مع غروب كل شمس ، ونحن في غفلة عن ذلك ، وبعملية حسابية بسيطة يمكننا أن نعرف الأيام الحقيقية التي نعيشها في الحياة ، فحري بنا أن نغتنم ما بقي من أيام عمرنا الغير معلومة ، ونقف مع أنفسنا وقفات صدق ندين فيها أنفسنا قبل أن تدان ، ونحاسبها قبل أن تحاسب ، فكم من الساعات تنقضي في اللهو واللعب والعبث ؟ وكم من أيام العمر تمضي في غير طاعة الله؟ روي عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه ، وعن علمه ما فعل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه) فاستثمار أيام العمر بالقول والعمل الصالح المثمر مهم لأي إنسان لأن عمره هو في حقيقة الأمر تلك الدقائق والثواني ، وعدم استغلالها بالشكل الصحيح يعني ضياع العمر الذي هو أغلى ما يملكه في الدنيا ، قال الفضيل رحمه الله - من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف وأنه مسئول فليعد للمسألة جواباً . فقال له رجل : فما الحيلة؟ قال: يسيرة . قال: وما هي؟ قال: تحسن فيما بقي ، فيُغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي - وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعاتب نفسه ، قال أنس رضي الله عنه: دخل عمر حائطاً وكان عمر وحده في هذا الحائط – يقول أنس: فسمعت عمر وبيني وبينه جدار يقول: بخ بخ ثم قال: والله لتتقين الله يا بن الخطاب أو ليعذبنك الله – فهذا حال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي بشر بالجنة ، وضمن الرفقة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم ، فالأولى بنا ونحن في هذا العصر الذي أخذت فيه الدنيا زينتها أن نأخذ قليلاً من الوقت نعيد فيه حساباتنا ، ونرتب أوراقنا من جديد لنكسب ما بقي من العمر ، قال ميمون بن مهران رحمه الله - لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه – ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان ، إن لم تحاسبه ذهب بمالك . قال الحسن البصري رحمه الله - الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه ، وأما الغد فلعلك لا تدركه ، وأما اليوم فلك فافعل فيه – ومن أقواله - يا ابن آدم: إنما أنت أيام ، فإذا ذهب يومك ، ذهب بعضك – فالمرء الناجح هو الذي يستطيع أن يجعل يومه كله خير بالتخطيط والتنظيم السليم ، وبالتالي سوف يجد أيامه كلها مثمرة بما يعود عليه بالنفع الوفير في الدارين ، ولو نظرنا على مستوى الواقع العملي لما وجدنا نظرية محددة أو وصفة مضمونة المفعول يمكن الاستناد عليها في استثمار أيام العمر ، ولكن هناك مبادئ ربانيه ، وضعها الخالق تبارك وتعالى في نهج الشريعة الإسلامية تساعد في الوصول إلى ذلك لمن يحسن استخدامها من خلال التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذه حقيقة لا يجهلها إلا جاهل غيب عقله في ملذات الحياة المؤقتة . همسة: التسويف سلطان الشيطان على القلوب الغافلة . ومن أصدق من الله قيلاً (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْر) .