أوفى معالي الشيخ الاستاذ الدكتور عبدالملك بن عبدالله بن دهيش بوعده الذي قطعه على نفسه باصدار وإخراج المزيد من تراث وتاريخ مكةالمكرمة، ففي أكثر من مناسبة أعلن أنه أخذ عهدا على نفسه بأن يسهم بشكل فعال في اخراج الكتب المهتمة بتاريخ مكة وتراجم أهلها ومن سكنها لفضل مكة وعظم قدرها وميزتها على سائر البلدان حرصا من معاليه على اظهار المكانة الدينية والتاريخية لهذا البلد الأمين واظهار معالمها ومناقبها وابراز فضلها وتتبع تاريخها العريق فاشهد ويشهد الكثير والكثير الى اي مدى محبة هذا الرجل الإنسان لمكةالمكرمة التي لها في نفسه كما في نفوس المسلمين قاطبة المكانة السامية البارزة فهي البلد الحرام (أحب بلاد الله الى الله وأحبها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال صلوات ربي وسلامه عليه ما أطيبك من بلدة وأحبك اليَّ ولولا أن قومي اخرجوني منك ما سكنت غيرك أخرجه ابن حيان في صحيحه 9/23 رقم 3709). وهاهو يخرج الكتاب الثاني عشر من سلسلة ما أصدر عن مكةالمكرمة وهي (أخبار مكة للفاكهي، وأخبار مكة للازرقي، واعلام وحدود الحرم المكي الشريف، وحدود المشاعر المقدسة، والدر الكمين بذيل العقد الثمين، وتحصيل المرام في أخبار البيت الحرام، وفيض الملك المتعال، وحدود الصفا والمروة، والقضاء في مكةالمكرمة قديماً، والتاريخ القويم للكردي، وترجمة لكتاب أعلام مكة باللغة الانجليزية، يضاف الى ذلك المؤلفات والتحقيقات الكثيرة في سائر فنون المعرفة من كتب في تفسير كتاب الله العزيز، الى كتب الأحاديث النبوية الشريفة، الى كتب الفقه الإسلامي وأصوله والمعارف العامة حتى بلغت ثلاثين عنواناً ووقعت فيما يقارب المائة والعشرين مجلداً).. وكتابنا الذي نحن بصدد الحديث عنه والتعريف به هو كتاب (إفادة الأنام بذكر أخبار البلد الحرام مع تعليقه المسمى باتمام الكلام تأليف الشيخ عبدالله بن محمد الغازي المكي الحنفي الذي أنهى معاليه تحقيقه وطباعته فوقع في سبعة مجلدات ضخام خصص الأخير منه للفهارس العامة) ولد الشيخ الغازي بمكةالمكرمة عام 1290 من الهجرة وتوفي بمكةالمكرمة عام 1365ه وصلي عليه بالحرم المكي ودفن بمقبرة المعلاَّة بالحجون فعليه رحمة مولاه وجزاه الله عما قدم خيراً. ويعد كتاب إفادة الآنام من خيرة الكتب التي جمعت التاريخ المكي فقد رَبَطَ المؤلف به ما كاد ينقطع من حلقات سلسلة تاريخ مكة وبالأخص في الحقبة الأخيرة التي يكتنفها الغموض والاهمال في التدوين اذ تصدى المؤلف لهذه الفترة العصيبة الواقعة ما بين نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر وما حصل فيها من وقائع واحداث جسام تفرد بذكرها فقد جمع ما كُتبَ واضاف اليه ما كَتَبَ فكانت الحصيلة هذا الكتاب الموسوعي الفريد، فقد جمع الشيخ الغازي ما تفرق من كتب العلماء الذين كتبوا في التاريخ المكي، جمع فيه الكلام عن البيت الحرام من القرن الثالث عشر لهجرة سيد الكائنات الى لحظة مفارقته الحياة عند المؤرخين الاثبات فجاء كتابه ك (الأم) لما قبله من الافراد فقد جمع فيه ما كتبه الاولون وزاد فكان موسوعياً في التصنيف والتوزيع وكأنه من كتب المجاميع فأسس بنيانه على ركن سليم متين فكان عمله بهجة للقارئين وهو بعد تحقيقه من المراجع الموسوعية في التاريخ المكي يجد فيه الباحثون بغيتهم، وقد قال عنه العلماء السابقون المعاصرون للمؤلف مثل الكردي في كتابه التاريخ القويم: وفق الله بعض الفضلاء لطبع تاريخه القيم النادر، فتاريخه مهم جداً لا يوجد مثله فنسأل الله ان يقيض من يطبعه وينشره بين المسلمين لانه من أهم التواريخ واحدثها وأوسعها فمؤلفه رجل معاصر وقد كتب الى ايامنا هذه فيعد تاريخه جديداً فهو يشتمل على كثير من الاخبار والحوادث فيبحث عن تاريخ مكة وتعظيم الحرم وأخبار العمالقة وجرهم وجميع ما يتعلق بأمر الكعبة من بنائها وكسوتها وهداياها والمطاف والحَجِر الاسود والمقام وزمزم والمسجد الحرام والزيادات التي وقعت فيه وما أحدثه الملوك والسلاطين من العمارات، وجبال مكة ومساجدها وآبارها وعيونها وطرقاتها واربطتها ومدارسها ومقابرها وما وقع فيها من أمطار وسيول وصواعق ورياح شديدة، وما كان بها من رخاء وغلاء وقحط ووباء وما كان يؤخذ من الحجاج والتجار من المكوس والعشور وابطال ذلك، ومن حج من العلماء والملوك ومبراتهم وصدقاتهم بها، وذكر أمراء مكة من بدء الإسلام الى اليوم وما وقع من الحروب، وذكر أنواع العرب ودياناتهم وأخلاقهم وأنكحتهم واسواقهم في الجاهلية الى غير ذلك من المباحث التاريخية الهامة، ولا يسعنا في هذا المقام الا الدعاء لمعالي الشيخ عبدالملك بن دهيش بموفور الصحة والعافية وطول العمر حتى تذخر المكتبة العربية والاسلامية بمؤلفاته وتحقيقاته العلمية المهمة التي يستفاد منها وينتفع بها والله ولي التوفيق.