قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن السديس :إبان السعي لرفع بعض قضايا أمتنا المباركة والعزم الأكيد على الرقي بها في معارج الأمن الوارف والمجد البالغ ذرى المشارف تنبلج في الأفاق قضية مؤرقة مفزعة مخالبها الحادة لا تفتأ في استحصاد وبراثنها الكاسرة للناس بالمرصاد كيف لا وهي تفتك بالنفوس فتكا وتهتك بالأرواح هتكا اخترامها للأرواح سريع ونيلها من الأجساد جد مريع تفتت الأكباد من مشاهدها وتقطع الاطواد في مشاهدها كم أجلبت من كروب وأحزان ويتم وثكل وحرمان كم أقعدت من إنسان وأفضت بالدموع الغزار الأحداق والإنسان فكم من أرواح حصدت وكم من نفوس أزهقت وكم من بيوت دمرت وكم من أسر شتت وكم من أطفال يتمت وكم من نساء رملت كم بترت من أطراف وطمست من أوصاف تلكم هي ما يقض المضاجع ويدع النفوس بلاقع من حوادث السيارات والمرور وما تحمله من خطب مريع وذهول. وأضاف في خطبة الجمعة أمس يقول: ليس يخفى على شريف علمكم إن من المقاصد لشريعتنا الغراء حفظ النفس وإعلائها وصونها عن الإزهاق وإغلائها يقول سبحانه (ولا تقتلوا أنفسكم أن الله كان بكم رحيما) مما لا ريب فيه أن للطريق في الإسلام حقوقاً وآداباً متى امتثلها السالك نال غايات سامية وآرابا كما أنه لا مراء أن السيارات والمركبات في هذا العصر غدت من وسائل النقل المهمة التي يشق الاستغناء عنها كما أنها من نعم البارئ الجمة التي تستوجب الشكر والثناء بل هي من بواعث السعادة والمنن المستفادة يقول صلى الله عليه وسلم (من سعادة المرء المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنئ) ولكن مع التطور التقني والتفاني الصناعي في إنتاج أحدث المركبات المزودة بأدق وسائل السلامة ودواعيها وأوفر أجهزتها خافيها وباديها إلا أن نزيف الدماء في الطرقات لايزال مهدرا صبيبا وتناثر الأشلاء جراءها لايزال هما رعيبا وتطالعنا الإحصاءات المروعة أن نسب حوادث السير في ارتفاع وازدياد تحصد الأرواح في الغدو والرواح تهدم الأسر والبيوتات وتبدد الأموال والممتلكات ويعظم ذلك في مواسم الصيف والإجازات حيث التنقل والارتحالات فقد بلغت نسب وإحصاءات أهوالها أرقاما مذهلة حيث ناهز عدد الوفيات سنويا مليوني حالة وفاة وبلغ عدد الإصابات ثلاثين مليون إصابة وعلى الصعيد المحلي بلغ عدد حوادث السير في عام واحد زهاء النصف مليون حادث ثلث صرعاها من فئة الشباب نتج عن ذلك أكثر من ستة ألاف متوفٍ ومايربو على أربعين ألف مصابا. وأردف فضيلته يقول : كم من عالم في حادث فظيع قضى وداعية موفق مضى وطود في البر والإحسان هوى وكم من محب خير ذوى ولكن ما باعث ذلك وماسببه الا السرعة القصوى والتجاوز السافر والتفلت واللا مبالاة في تعدي إشارت المرور التي ماوجدت إلا لحفظ النظام وسلامة النفوس وما باعثه إلا فورة الشباب المراهق والثقة المزعومة في التحكم في المركبة وما منشأه إلا التقليد المقيت القاتل للمتهورين والمفحطين اللذين يروج لهم الإعلام المضاد وما مأتاه إلا غياب الأخلاق والسلوك والجهل الذريع بأنظمة السير وقواعد المرور يتولى كبر ذلك غالبا حدث غر ويافع أضعن وبالغ مغرور بفعل نزق وتصرف غير مسئول . وتعجب فضيلته في استعمال ذلك المركوب الخطر حيث ترى فئاما أجهدوا مطاياهم كخطف البرق وعصف الرياح ضاربين عرض الحائط بأمن الأنفس البريئة والأرواح ذاهلين عن قول الحق تبارك وتعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وآخرين لايبالون في الانشغال عن القيادة بالثرثرة في الهواتف المحمولة فيقع مالا تحمد عقباه ويدهشك من يعكس اتجاه السير ويقتحم الطريق اقتحام السيل يقول صلى الله عليه وسلم ( التأني من الله والعجلة من الشيطان ) فما أبأس من خالف أنظمة المرور وقواعد السلامة وامتطى السرعة والاستعجال ولم يستشعر عاقبة ذلك الوبال في الحال والمآل. وناشد فضيلته الشباب وكل قائد مركبة في الحضر أو السفر أن يلتزموا الرفق والحيطة والحذر وأن يتقوا الله في قيادة مراكبهم وأوصاهم بالأناة والتؤدة عند السير بالمركبة فهي إمارة العقل والرجحان ومنبع الأمن والاطمئنان وبها سلامة الأبدان والأمن في الأوطان بتوفيق الواحد الديان . وأوصى إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمين بتقوى الله وان يسيروا في مناكب الأرض بالتؤدة والاعتدال وحذرهم من السرعة والاستعجال حتى يفوزوا بمرضاة الكبير المتعال. وقال: بعد أن تبينت مخاطر حوادث السير وأضرارها لزم بيان العلاج الشافي ووصف الترياق الكافي للحد من ذلك البركان المدمر المحرق وذلك من خلال سمط فريد متلألئ يضم دررا من النتائج السنية والتوصيات البهية يأتي في طليعتها وأولها التوعية الشاملة المكثفة لفئات المجتمع عامة بحسن استعمال المركبات وفق أصول القيادة السليمة ونظم المرور الآمنة يسهم في ذلك البيت والمسجد والمدرسة ووسائل الإعلام والجهات الأمنية ثانيها التحذير الشديد من مخالفة قواعد المرور وإيقاع العقوبة الرادعة لمن تعداها ثالثها بيان العضات والعبر والحوادث والكوارث ذات الخطر جراء السرعة الجنونية العاصفة التي أردت في المهالك وأركست في سوء الأحوال الحوالك رابعها الحث على التحلي بمحاسن الشيم ومكارم القيم مع مرتادي الطريق وخصوصا العيون الساهرة من رجال المرور وأمن الطرق خامسها الاقتداء بأكمل الهدي هدي محمد صلوات الله وسلامه عليه وما أوصى به في آداب الطريق الرضية وأدعية الركوب العلية سادسها تعهد المركبة وإطاراتها وصيانتها وفحصها الدوري قبل القيادة يدل عليه مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام (اتقوا الله في هذه البهائم فاركبوها صالحة) سابعها نشر فتاوى أهل العلم الأجلاء في تحريم وتجريم تجاوز السرعة القانونية ومخالفة الإشارات الضوئية وبيان أحكام الحوادث الناجمة عنها ثامنها توعية الآباء والأمهات بضرورة متابعة الأبناء بالتوجيه والإرشاد نحو القيادة الآمنة مع مزيد الحزم والصرامة في زجرهم عن سلوكيات القيادة الطائشة وعدم تمكينهم من المركبات إلا بعد تأهيلهم والترخيص لهم من الجهات المعنية تاسعها ضرورة الإفادة من التقانات الحديثة في توعية المجتمع وخاصة الشباب وضبط المخالفات المرورية عاشرها الإشادة بالحملات الوطنية للتوعية الأمنية والمرورية وتثمين جهودها في الحد من معاناة المجتمع نتيجة الحوادث وتفعيلها وإشراك أفراد المجتمع في تعزيز قواعد السلامة ودرء الأخطار المرورية كيفما كانت مع تأصيل كون قائد السيارة والمركبة هو رجل الأمن والمرور الأول فأنه لابد للحد من غلظاء الاستهتار في أرواح الناس ومركباتهم من التوارد على ميثاق شرف عالمي للسلامة المرورية يقاضي كل من لايبالي بالأرواح والممتلكات ويسهم في التخفيف من الحوادث والإصابات ليعم الأمن والسلامة كافة الأفراد والمجتمعات. وفي المدينةالمنورة قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم : إن الله أسبغ على الخلق نعماً ظاهرة وباطنه واصطفى نعمة هي أنفس النعم وأعلاها منحها لمن شاء من عباده وحرم الكثير منها وهم يتمنونها ، قال عز وجل (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) وهي أكثر النعم عرضة للزوال ، قال عليه الصلاة والسلام ( القلوب بين أصبعين من أصابع الله يٌقلبها كيف شاء ). وكان يعقوب عليه السلام يُوصي أولاده بالحفاظ عليها ( يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يُديمها ويقول ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ). ومن دعاء الراسخين في العلم (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا). وكل مسلم مأمور بالدعاء في صلاته بالحفاظ عليها إذ بها سعادة الدارين . وأوضح فضيلته أن الفتن كثيرة كالمطر قد تزيل تلك النعمة ، قال عليه الصلاة والسلام ( إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر ). وهي تزعزع قلوب العبادة إلا من عصم الله ، ومن استشرف إليها أخذته والحي لا تؤمن عليه فتنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكتت فيه نكته سوداء ). وقد تخرج المرء عن دينه في يومه ، قال عليه الصلاة والسلام ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يُصبح الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً أو يُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا ) وفتنة النساء إن لم تُحذر زلت بالرجال القدم ، قال عليه الصلاة والسلام ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ). وقال : المال فتنة هذه الأمة قد يُدخل المرء في الدين وقد يُخرجه منه والعدل أن يُؤخذ من حله ويُجعل في اليد لا في القلب وينتفع فيه في مرضاة الله. وتتبع المتشابه من الأحكام والأخذ بالرخص في الحلال والحرام والتحايل لارتكاب المحرم مفسد للدين ، والتهاون بصغائر الذنوب هلاك للعبد ، قال عليه الصلاة والسلام ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه). والبعد عن الله بالعصيان والتقصير في الواجبات من أسباب الغواية ، قال جل شأنه (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ). والعجب بالعمل والنفس معصية قد يُعاقب عليها بالتحول عن الثبات. يوسف عليه السلام استعان بالله وحده في العصمة من الزلل فعُصم (وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ. فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ). وأفاد فضيلته أن الاستعجال في رؤية ثمرة الخير يُورث الفتور ثم الانقطاع والواجب الإخلاص ومداومة العمل ، واليأس من إصلاح مجتمع لظهور الخطايا فيه عجز في النفس. وأوضح أن تلاوة كتاب الله والإكثار من ذكره ثبات على الدين ، قال عز وجل ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ). ومن أكثر من الطاعات وابتعد عن السيئات كان أشد ثباتاً ، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا) والمداومة على العمل الصالح يقوي الإيمان ، قال عليه الصلاة والسلام ( إن أحب الأعمال إلى الله ما ديم عليه ). قال النووي رحمه الله [ويُثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة ] ومجالسة العلماء تُحيي القلوب وتحث على العمل والصاحب الصالح معين على الخير ، وفي قصص الأنبياء رفع للهمم ووثوق باليقين ، قال سبحانه ( وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ). والرضا بالمكتوب من المصائب والمتاعب ركن من الدين به الطمأنينة والسرور والمؤمن أصبر الناس على البلاء وأثبتهم على الدين في الشدائد وأرضاهم نفساً في الملمات والقناعة بما قُسم حسن ظن بالله يُورث التعلق به والتمسك بدينه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه ). والإيمان يخلق كما يخلق الثوب وتجديده بالتوبة في كل وقت وحين. ورجاء ما عند الله من النعيم يجمح النفس عن اتباع الهوى ، والدعاء أمر لازم على كل مسلم ، وصفاء التوحيد وتعلمه أعظم سبب في الثبات على الدين والإكثار من نوافل العبادات من الصلاة والصدقة والعمرة والإحسان إلى المحاويج يحفظ من الفتن.