التاريخ لا يكذب.. والتاريخ لا يقبل الاجتهادات.. والتاريخ يعتمد على التوثيق الدقيق للحقائق والشواهد والأزمنة والأحداث.. اما نتحدث حديثاً عابراً ونرصد الأمر كحقيقة تاريخية فهذا أمر لا يقبل. جلست في ندوة مصغرة مع بعض من رجال الفكر والتربية وجاء الحديث عن الآثار التاريخية بمدينة (جدة)... وبدأ الخلاف هل تنطق جدة بكسر الجيم أو جُدة بضم الجيم أو جدة بفتح الجيم.. ولكل واحدة منها معنى.. ثم ذكر قبر أمنا حواء كأثر تاريخي فتحدث أحد الزملاء عن المقبرة بثقة متناهية وأن هذه المقبرة هي فعلاً مقبرة (أمنا حواء) وانها فعلاً دفنت هنا وكان يتحدث بثقة عالية جداً ولم يتبق له ليؤكد تلك المعلومة كحقيقة إلا أن يقول إنه شارك في دفنها في هذه المقبرة!!. فسألته ما هي الحقائق التاريخية التي اعتمدت عليها؟ فذكر أن ذلك ذكر في الكتب.. ثم اردف قائلاً بمنطق لا يقبله العقل.. (نحن نقول ذلك ومن يرى عكس ذلك فليثبت). لاشك أن ذلك منطق لا يقبله المؤرخون.. ثم اننا لا نتحدث عن معلومة عمرها (100) عام أو حتى (1000) عام نحن نتحدث عن (أمنا حواء)!! وما جاء بعدها من أنبياء ورسل وحضارات ثم ذكرت له انه قد يكون فعلاً هذه المقبرة اسمها (مقبرة امنا حواء) بعد أن دفن فيها سيدة فاضلة اسمها (حواء) ويكون ذلك قبل مائة عام او مائتي عام وذلك أقرب للمنطق.. واذ به يشتد في حواره ويغضب وكأنني حرمت حلالاً أو أحللت حراماً.. ويقول يا أخي لا تنكر التاريخ هذه حقيقة تاريخية.. وأمنا حواء دفنت في هذه المقبرة!!. وبعد أن شاهدت ردة فعله أوقفت الحوار معه بعد أن ازدادت قناعتي اننا مبتلون بعقول تدعي فهمها في التاريخ وهي لا تملك أدوات الرصد والتوثيق وان الأمور اجتهادية تعتمد على أحاديث المجالس. علينا أن نحترم أنفسنا أمام التاريخ وأمام الشعوب وأن لا ندعي شيئاً لا نملك الدليل حوله خاصة أن تاريخنا مليء بما نفخر به ونملك كل الأدلة والبراهين التي ثبتت صدقه وحقيقته. آخر السطور: (ليست الشجاعة أن تعجب بما تقول وإنما الشجاعة أن تحترم الرأي الآخر حتى ولو لم يأتِ على هواك).