قدَّر الله أن أُصاب بالتهاب حاد في الشعب الهوائية، أُدْخِلت على إثره للمركز الطبي الدولي بجدة، والتابع لآل الفتيحي، وحقيقة وليس (دعاية للمركز) فهو صرح طبي شامخ، يُفْتَخر به في بلادنا، فالمريض يشعر وهو يمر في أروقته بأنه يمشي في قصر من قصور الأندلس التاريخية، والتي تجددت على أيدي الشيخ محمد فتيحي وابنه الدكتور وليد فتيحي، الطبيب المهندس والداعية الإسلامي.. فالخدمات الطبية في هذا المركز تعتبر من أرقى الخدمات في مستشفيات المملكة، فقد تم التركيز على أن يكون كل شيء مميزا، وأن يُختار بعناية فائقة. الأجهزة/ غرف المرضى/الأطباء / الممرضون/ المداخل / الطوارئ/ الممرات/ المواقف...الخ. المهم في الأمر أنني نومت في المستشفى، وسعال شديد وضيق التنفس لا يفارقانني لحظة واحدة، حتى أنني شعرت بأن جسمي كله يكاد أن يتشقق وأن رأسي يكاد أن ينفجر، فكانت كمامة الأكسجين والبخار تلازم أنفي طوال الوقت، وكان الأطباء والممرضون شبه مرافقين لي على مدار الساعة. وبعد مرور يومين على وجودي في المستشفى، وبينما كان أبنائي وزوجتي حولي، إذا بنوبة من السعال الشديد تنتابني، فأردت أن أستدير بجسمي من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى، لتناول كأس ماء موجودا على الطاولة المجاورة لسريري، وفي تلك اللحظة التي كنت أستدير فيها، وبينما السعال الشديد ينتابني، إذا بتنفسي يقف، وإذا بي أقع على السرير مغمى علي، أمام أنظار أفراد عائلتي، الذين ما أن رأوني، حتى أخذتهم المفاجأة غير السارة، فأصيبوا بصدمة شديدة، وهرعوا إلي، في محاولة لإنقاذي مما انتابني، بينما أخذ أحد الأبناء يستدعي الطبيب والممرضين، وآخر يضغط على زر جرس الطوارئ الموجود بالغرفة، بينما تسمر آخرون في أماكنهم من هول الصدمة!!. ولقد أخبرني ابني (بعد أن أفقت) بأن عيناي كانتا جاحظتين وفمي فاغرا، وقدماي قد تشنجتا، والوضع بصفة عامة ، في تلك اللحظة، لا يبشر بخير. وبعد ضرب على الظهر، ودعاء وتكبير ولجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وبعد لحظات من الرهبة والخوف والقلق من الجميع، إذا بي أفيق مرة أخرى، وأتكلم مع من حولي متعجبا مذهولا وسائلا، ماذا حدث... ماذا حدث لي ؟!!. أين أنا أين أنا!!!. وما أن رأوني أتكلم حتى حمدوا الله سبحانه وتعالى، وارتخى ضغطهم المرتفع ودرجة قلقهم التي انتابتهم، وانفرجت أساريرهم شاكرين الله سبحانه وتعالى على أن نجاني مما كنت فيه، وحمدوا الله الذي أعاد روحي إلي. والمقصود من سرد هذه الواقعة للقارئ الكريم، أن أجعله يتعايش لحظات مع شخص رأى الموت، بل هو قد مات فعلا للحظات، وأننا يجب أن نتذكر بأن الموت قريب جدا من الإنسان، فالموت قد يأتي في أية لحظة، وفي أي وضع، وبأي شكل من الأشكال، وأن على الإنسان أن يكون دائما قريبا من ربه، وعليه أن يكون قد استعد لما بعد الموت، كما يستعد دائما لما قبله...وهذه بعض الآيات عن الموت: يقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران185، ويقول سبحانه: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) النساء78، وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء35، وقال سبحانه: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) الجمعة 8 ... وتذكروا بأننا كلنا إليه، سبحانه، راجعون ... ويا أمان الخائفين.