ما زالت اعترافات جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي شاركوا في العدوان على قطاع غزة -تحدثوا فيها عن قتل مدنيين بدم بارد وكشفوا عن تفشي مشاعر احتقار عميق للفلسطينيين في صفوف الجيش- تثير تداعيات كئيبة على هذه المؤسسة المثقلة باتهامات بارتكاب انتهاكات وتجاوزات وجرائم حرب، وعلى الدولة بأسرها المثقلة باتهامات بالتمييز العنصري. واعتبرت جماعات لحقوق الإنسان أن اعترافات جنود إسرائيليين بتعمد قتل مدنيين أثناء العدوان على غزة تبرر فتح تحقيقات في ارتكاب إسرائيل جرائم حرب، في حين اعتبر مقرر الأممالمتحدة الخاص لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية أن الهجوم الإسرائيلي على المناطق المزدحمة بالسكان بالقطاع يشكل على الأرجح جريمة حرب خطيرة. واعترف جنود إسرائيليون بأنهم تلقوا أوامر من قادتهم أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة تعتبر كل من يبقى من سكان المناطق التي أمر الجيش بإخلائها هدفا للهجمات. وأدلى الجنود بشهاداتهم في أمسية نظمتها كلية رابين. وقال رئيس برنامج إسحق رابين التمهيدي العسكري إن الجنود تحدثوا عن إطلاق نار دون مبرر على مدنيين فلسطينيين, ونقلت بعض الصحف الإسرائيلية روايات الجنود وأشارت إلى أنها تثبت زيف ادعاءات الجيش الإسرائيلي الذي قال إنه سيجري تمحيص هذه التقارير. وقال مراسل الجزيرة إن الجنود وهم من وحدات مختلفة أدلوا بشهاداتهم عن قتل مئات الأطفال والنساء والمواطنين بعد التأكد من أنهم مدنيون قبل نحو شهر في معهد رابين التمهيدي العسكري ونقلتها وسائل إعلام. وأضاف أن الجنود أكدوا أن ما فعلوه كان امتثالا لأوامر من الجيش. وفي الوقت نفسه اعتبر مقرر الأممالمتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على المناطق المزدحمة بالسكان في قطاع غزة يشكل على الأرجح جريمة حرب خطيرة. وأضاف فولك أن اتفاقيات جنيف تتطلب من القوات المتحاربة أن تميز بين الأهداف العسكرية والمدنيين المحيطين بها. وقال (إذا تعذر عمل ذلك فإن شن الهجمات يكون غير قانوني أصلا ويشكل فيما يبدو جريمة حرب على أكبر قدر من الجسامة بموجب القانون الدولي). وكتب المقرر الدولي في تقرير سنوي من 26 صفحة رفعه إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه (على أساس الأدلة المبدئية المتوفرة هناك أسباب للتوصل إلى هذه النتيجة). ووصف فولك الهجمات الإسرائيلية بأنها (هجوم هائل على مكان حضري مأهول بالسكان) تعرض خلاله السكان المدنيون الفلسطينيون بأسرهم إلى (شكل غير إنساني من الحرب التي تقتل وتشوه وتتسبب في أضرار ذهنية). وقال إن حرمان الناس من حق الفرار من منطقة الحرب كلاجئين ربما يشكل أيضا جريمة ضد الإنسانية. ودعا فولك إلى تشكيل مجموعة مستقلة من الخبراء للتحقيق في جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها كل من القوات الإسرائيلية وحماس ويجب أن تجمع شهادة شهود العيان بالإضافة إلى إيضاحات من القادة العسكريين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتشمل الانتهاكات استهداف إسرائيل المدارس والمساجد وعربات الإسعاف ومنشآت وكالة الأونروا الأممية أثناء الهجوم واستخدامها أسلحة بينها الفوسفور الأبيض إلى جانب إطلاق حماس الصواريخ على أهداف مدنية في جنوب إسرائيل. ووفقا لأستاذ القانون الأميركي الجنسية -الذي يعمل محققا مستقلا تابعا لمجلس حقوق الإنسان- فإن العدوان غير مبرر قانونا وربما (يشكل جريمة ضد السلام) وهو مبدأ تم إقراره في محاكمات نورمبرغ لمجرمي النازية. وأشار فولك إلى أن مجلس الأمن الدولي قد يشكل محكمة جنائية خاصة لتحديد المسؤولية في جرائم الحرب بغزة، مشيرا إلى أن إسرائيل لم توقع على قانون روما الذي شكلت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية. ولم يتمكن فولك من دخول إسرائيل قبل أسبوعين من بدء الهجوم، ما أجبره على إلغاء مهمة مقررة إلى غزة، وقال في تقريره إن رفض إسرائيل السماح له بالدخول يعد (سابقة يؤسف لها) لمعاملة مقرر خاص بالأممالمتحدة. وقدم فولك نفس عدد القتلى الذي قدمه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان جراء العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 27 ديسمبر واستمر 22 يوما وهو 1434 فلسطينيا بينهم 960 مدنيا. وتعارض إسرائيل التي فقدت 13 شخصا في تلك الحرب هذه الأرقام وتتهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة باستخدام المدنيين دروعا بشرية أثناء الصراع وهو ادعاء قال فولك إنه يجب التحقيق فيه. ومن المقرر أن يرفع تقريره رسميا يوم الاثنين إلى مجلس حقوق الإنسان -وهو منتدى يضم 47 عضوا تمثل فيه الدول الإسلامية والأفريقية المدعومة من الصين وكوبا وروسيا الأغلبية- ولا يضم المجلس في عضويته إسرائيل ولا حليفتها الرئيسية الولاياتالمتحدة.