تابعت جلسات منتدى دافوس الأخير والتي شارك فيها (2500) من المشاركين ، بينهم من الساسة (41) رؤساء دول وحكومات ومنظمات دولية ، وعشرات من الوزراء من كل نوع ، وعشرات آخرون من رؤساء الشركات والبنوك الكبرى في العالم ، ومئات غيرهم من قادة المجتمع المدني ، وكانت مناقشتهم عبارة عن مواد حوارية يستعرض فيها كل متحدث قدرته على الكلام والدفاع عن رأيه دون تراجع حتى لو كان مقتنعاً بخطأ هذا الرأي. ووسط كل هؤلاء المشاركين في منتدى دافوس الذي عقد في ديسمبر الماضي كانت الأزمة المالية العالمية هي محور الاهتمام في هذا الملتقى ، لكن يُشبه المتحدثون في مناقشات الملتقى بأهل بابل في برحهم الذين اختفلت ثقافتهم فلم يفهم أحد منهم عن أحد شيئاً أو كما يقول المثل العربي (جعجعة ولا طحن) بمعنى انه لا فائدة ولا نتيجة من هذه الكلمات ، فلم تطرح حلول للأزمة المالية العالمية ولم يتقدم أحد بفكرة لتصحيح مسار الاقتصاد الدولي أو حتى اقتراح يسهم في التخفيف من معاناة الدول الفقيرة حول العالم من الآثار السالبة للازمة المالية العالمية. ويتبادر إلى أذهاننا سؤال مهم عندما نتحدث عن ملتقى دافوس .. ما الذي يدفع ذلك العدد الكبير من الرؤساء والزعماء والمشاهير في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في الملتقى ، رغم انه لا يخرج بقرارات مُلزمة ، ولا بيان معتمد ، وليس له أي سلطة يعتمد عليها اعتماداً مباشراً وغير مباشر. لذلك يمكن القول ان هذا الملتقى ليس سوى مؤسسة فكرية واستراتيجية عالمية وغير حكومية للشركات الدولية العملاقة متعددة الجنسيات وللرأسمالية بوجه عام تسعى لإدارة العالم عبر نخبة ضيقة تتضارب مصالحها مع مصالح أغلب شعوب الأرض ، بمعنى أدق ان هذا الملتقى بمؤتمراته السنوية منذ عام (1971م) يمكن وصفه بانه يمثل جدلاً دائماً ويعكس مشاحنات ومشاجرات لا طائل من ورائها مما يؤكد أن مواجهة تحديات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها على الاقتصاد العالمي لا تحققه كلمات محفوظة عالية الرنين. خلاصة القول فانه اذا كان ملتقى دافوس الذي تبنى العولمة وسيطرة رأس المال وتحرير التجارة من القيود الزمانية والمكانية ، فإن الدرس المستفاد من مناقشات وكلمات المشاركين في الملتقى الأخير ان الحقائق على الأرض غابت في ظلال اجتهادات قادة العالم والسوق حيث لم تحدد مجادلاتهم في كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة ، مما سيؤدي إلى قلاقل واضطرابات اجتماعية حول العالم. اياً كان الوضع فإن مناقشات ملتقى دافوس هذا العام وفي اطار الأزمة الاقتصادية العالمية تعكس الخلافات حول سبل مواجهة الازمة مما يقود العالم نحو مزيد من الانعزال الاقتصادي داخل الدول وداخل التكتلات الاقتصادية وبالتالي إلى انهيار العولمة وسيطرة مبادئ اتفاقيات الجهات التي انشأت منظمة التجارة العالمية وبالتالي إلى تلاشي أهداف تحرير التجارة من القيود الزمانية والمكانية.