بات المهرجان الوطني للتراث والثقافة ( الجنادرية ) علامة فارقة في المشهد الثقافي السعودي وجزءاً مهماً من تاريخ الثقافة في المملكة العربية السعودية بل هو محرك رئيسي لها ومحور فعال تدور حوله صناعة كثير من الأحداث المعرفية وترتكز عليه مناشط تحتضن الوطن كله في أيام معدودات وفي صورة مكثفة لمعانيه الحضارية والتاريخية في دلالة على وحدته التي ارتآها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه بعون من الله عز وجل ، أقول ذلك والمهرجان يحتفل بربع قرن من عمره الزاهر بالتاريخ والثقافة والمعرفة تاركاً خلفه توثيقات مهمة لمسارات اجتماعية واقتصادية وثقافية خلال تلك المرحلة ، وواضعاً أمامه تاريخ وطن لا تغيب عنه شمس التطور والتحديث بما لا يحيد عن جذوره ومبادئه العظيمة التي غرست فيه منذ تأسيسه المؤثر ، ولا شك أن دعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله لانطلاقة المهرجان منذ نسخته الأولى حتى الآن وتسخيره حفظه الله لجميع الإمكانيات لإنجاح أهدافه في خدمة الثقافة العربية والإسلامية ، جعل منه تظاهرة ثقافية مميزة صعدت عاماً بعد عام إلى أعلى قائمة الاهتمام الثقافي العربي والإسلامي وأصبحت عاملاً قوياً في صناعة تلك الثقافة وتنشيطها . خمسة وعشرون عاماً مرت بمهرجان الجنادرية مملوءة بخدمة الثقافة الإسلامية ومؤازرة مبادئها وقيمها واستظهارها لمن قد لا يدركها ، خمسة وعشرون عاماً والوطن يتحلق بمختلف لهجاته ومكوناته وشرائحه ومدنه وبيئاته الثقافية المتناغمة حول الجنادرية المعلم الثقافي الأبرز في الشرق الأوسط ، خمسة وعشرون عاماً والحوار لم ينقطع والمداولات الفكرية لم تفتر في سبيل التآخي والتناغم مع الفكرة الإنسانية الأكبر ، خمسة وعشرون عاماً والتراث عريساً سنوياً نتغنى به ويتغنى بنا مشيراً إلى أن هنا وطن ضارب في التاريخ وحضارة لن تبيد لأنها قامت على الإسلام وسارت بهديه وشريعته فلا مضل لها. نفتخر بالجنادرية أم المهرجانات العربية ذلك أنها تفصح كل عام عن شيء جديد موصول بالأصل وهذا أحد أسباب بقائها منارة تعانق آفاق السماء وتبث سلام الثقافة وثقافة السلام . الجنادرية في دورتها الرابعة والعشرين يجب أن نتوقف عندها كثيراً فهي منعطف لمسيرة هذا المهرجان بعد ربع قرن من العطاء أثرت النسيج المعرفي المحلي وتضافرت مع مهرجانات عربية أخرى لتقديم العالم العربي والإسلامي للثقافات الأخرى ، ولعل محور هذه الدورة للمهرجان (الإسلام وحوار الثقافات ) يؤكد الدور الذي اضطلعت به الجنادرية وتماهيها مع الأحداث والبيئة المحيطة في دلالة على تمكنها من التمدد والمرونة التي وصلت بها للعالمية بعد أن كانت بدأت بدائرة محلية أصغر، مؤكدة في هذا المحور وفي كل مسيرتها أن الإسلام دين الحوار مع الآخر بالحسنى دون إلغاء أو طمر أو اعتداء على الإنجاز الحضاري للآخرين .