أثارت تجربة تأسيس حزب العدالة والتنمية في تركيا قبل سنوات قلائل جدلاً واسعاً بين السياسيين داخل وخارج تركيا مما جعله ينال من الاهتمام والمتابعة على مستوى العالمين العربي والغربي حظاً وافراً خاصة بعد إعادة هيكلة شعاراته وأفكاره فصنفه البعض على أنه حزب من تيار يمين الوسط على غرار الأحزاب الأوروبية المحافظة. وأثناء إدلائه بصوته في الدائرة الانتخابية الأولى بإسطنبول حينها قال رجب طيب أردوغان زعيم الحزب إن الانتخابات الحالية هي رسالة للعالم. وقال اردوغان بعد فوز الحزب بالانتخابات (هذه أول مرة منذ 52 عاماً يزيد حزب موجود في السلطة من أصواته للمرة الثانية) وأضاف قائلاً: (سنواصل العمل بتصميم لتحقيق هدفنا بالانضمام للاتحاد الأوروبي). ويعتمد التوجه الفكري لحزب العدالة والتنمية على أنه حزب يحترم الحريات الدينية ويشكل الجناح الإسلامي المعتدل في تركيا ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية ويؤكد أنه لا يحبذ التعبير عن نفسه بأنه حزب إسلامي فهو حزب يحترم الحريات الدينية والفكرية ومنفتح على العالم ويبني سياساته على التسامح والحوار ويؤكد عدم معارضته للعلمانية والمبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية كما يؤيد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ويؤكد أنه سيواصل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تطبيقه في تركيا تحت إشراف صندوق النقد الدولي مع نقده لبعض جوانبه. والمتابع للسياسة الداخلية التركية خلال الفترة الحالية يرى أنه رغم اتهام الحزب في أولى سنوات توليه الحكم بالتخطيط لإقامة دولة إسلامية والقضاء على العلمانية التي أسسها كمال أتاتورك فقد حظي حزب العدالة والتنمية بشعبية واسعة ليس لدى المسلمين وحدهم بل لدى الأقلية المسيحية أيضاً التي فضلته على الأحزاب الأخرى ذات الأكثرية العلمانية والقومية والتي رأت فيه نموذجاً جيداً في تعاملاته الداخلية . وانطلقت في عدد من دول العالم الإسلامي والدول الغربية دعوات مطالبة بتعميم تجربة حزب العدالة والتنمية كنموذج ل(الاعتدال) في الإسلام . ولم ينحصر نشاط الحزب في وضع التنظيمات والضمانات الجيدة من خلال سياسته الداخلية والتي جعلته يحقق نجاحات في الانتخابات بل تجاوزها بكثير من خلال امتلاكه لمقومات وشروط الحوار وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة في غزة إذ استطاعت تركيا عبر سياستها الخارجية التعايش الفعال مع الأحداث وهو ما جعل البعض من العرب يقولون (يستحقُ رئيسُ الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان) تحيةً كبيرة من كل عربيّ حُرّ على موقفه الرجوليّ الذي يفيضُ إنسانيةً وعِزة.. ليس من أجل أنقرة أو اسطنبول غَضِبَ الرجُل، ولكن من أجل (غزّة) الفلسطينية العربية المسلمة.. أردودغان ليس عربيّاً ولكنه إنسانٌ مسلمٌ حُرّ وفسر البعض من الساسة الأتراك خطوات الحزب ورئيسه رجب طيب أردوغان بأنه سيكون قادراً على مواصلة المفاوضات لاستئناف محادثات الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي رغم حالة الملل التي تزايدت في تركيا نتيجة مماطلة الانضمام .