في ظل هذه الظروف الحرجة ، والأحوال المتقلبة ، والنوازل المدلهمة بأمة الإسلام يجب أن يكون المسلم منضبطاً في أحواله بحكم الشرع ، مستلهماً العبر والدروس ، قائماً بما يجب عليه ، حذراً من أن يخل بحقوق إخوانه المسلمين في أي مكان . إن تداعيات الاحداث النازلة وممارسات اليهود على المسلمين ليست وليدة اليوم ، إذْ الابتلاء سنة ماضية ، والمسلمون يجب أن يشعروا بمصاب إخوانهم ، لأنهم كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، ولئن عظمت المصائب ، واشتدت الكروب فإن ثمت معالم واضحة ، ومنارات يستهدي بها المسلم في هذه الظروف ، وفي عموم الأحول ، يأتي في مقدمتها الدعوة إلى استشعار القوة والعزة ، وحسن الظن بالله حتى في مواطن اليأس والشدة ، فالله سبحانه أخبر وخبره الصدق ، وقال وقول الحق (ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) ، وأخبر أنه سيتولى إخماد نارهم وقمع فسادهم (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) فلا بد من الأمل والانشراح بوعد الله حتى يذهب ركام اليأس والإحباط المستمر المسيطر على بعض النفوس ، ولكن لايكون املاً مجرداً ، وأماني بلا عمل ، فالأدلة مشروطة بنصر الله (ولينصرن الله من ينصره) وثاني تلك المعالم: الثبات على المبادئ ، وتوظيف العاطفة فيما يوافق المشروع ، ففي أوقات الأزمات قد تختل العواطف ، وتزداد الانفعالات ، وتطغى الحماسات حتى تدفع المرء الى تجاوز الحدود الشرعية ، فالله سبحانه بين في كتابه أن مرد أمور الحرب والسلم والنزاعات إلى مرجعية محددة ، تنظر من خلال مسؤولياتها ، وتستند الى نصوص الكتاب والسنة ، وفقه المصالح والمفاسد ، والأمة مطالبة بالتماسك من الجبهة الداخلية مع هذه المرجعية ، حتى لا تختل الموازين ، وحذرنا الله سبحانه من ظاهرة تنشأ في عموم الأحوال ، ولكنها تشتد في مثل هذه الأحوال ، ألا وهي الإشاعات ، والنقل الذي تثار به العواطف سواء في جانب النازلة أو المواقف منها ، فيقول الله سبحانه (واذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله « هذه تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق ، وأنه ينبغي اذا جاءهم أمر من الامور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يثبتوا ولا يتعجلوا بإشاعة ذلك الخبر بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم أهل الرأي والعلم والنصح ، والعقل والرزانة الذين يعرفون الامور ، ويعرفون المصالح وضدها أ. ه وهذا الأدب القرآني في التماسك ورد الأمور إلى أهلها هو من ضبط العواطف ، والتقرب الى الله بالوحدة والاجتماع ، والسمع والطاعة لولاة الأمور ، الذين ينظرون للأمور من زوايا متعددة ونظرة شمولية ، فيسلم للمرء دينه ، وتسلم عاطفته أن لايقع في قلبه شئ على علمائه وولاة أمره ، ففي أعاصر الفتن يستسلم البعض لتبعات الاحداث وربما تستجره العواطف ، ويظن أن مجابهة الكثرة لا تجدي ، وربما يلوح له في الأفق فتاوى من هنا وهناك ، فيقع في قلبه أن العلماء لم يبينوا رأيهم وربما يوقعه الشيطان في أمر بعد وهو أنه قد فعل مالم يفعلوه ، ونصر الدين وقد خذلوه ، فالحذر من مثل هذه المواقف التي هي سقوط في الفتنة والحق لايعرف بكثرة السالكين له وإنما بموافقة نصوص الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة فهذا هو الأساس الذي يجمع الارواح ، ويؤلف بين الرغبات والاهواء ، وهو معيار الوحدة وأساسها الحقيقي ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة يؤسس للأمة التمسك بهذا الهدي والنظرة في الموازنة بين المصالح والمفاسد فيمر على المعذبين بمكة ، ويأسى لما وقع لهم ، ولكن يعلم أنه في وضع لا يمكنه من المجابهة ، ويوقع صلح الحديبية على ما فيه من شروط قاسية تحقيقاً لمصالح أعلى منها ، فنحن مع الأسر لما وقع ، والحرقة لما يمر بإخواننا في غزة ، وبذل ما يستطاع تجاه نصرتهم ، إلا أننا ننطلق في كل ذلك مما يقوله علماؤنا ، ويوجه به ولاة أمرنا الذين هيأهم الله لنصرة هذا الدين ، ودعم قضايا المسلمين في كل مكان ، ولا مزايدة على تلك المواقف المشرفة ، والصفحات الناصعة ، والأيادي البيضاء التي صدرت عن هذه البلاد وقادتها ، وليس ذلك بغريب عليهم نسأل الله تعالى أن يزيدهم توفيقا وتسديداً ، وأن يجمع القلوب على الحق والعدل وأن يحفظ علينا أمننا ، وولاة أمرنا إنه سميع مجيب. مستشار مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية