من الكلمات المأثورة عن علماء الاجتماع قولهم (الإنسان اجتماعي بالطبع) فلا يمكن أن يعيش الإنسان لوحده بصورة منفردة، ولكن إن لم يبن هذا الاجتماع على أسس مشروعه قد يؤدي إلى الفساد أو الإفساد ، وقد يشذ الإنسان عن الاجتماع المرضي عند الله تعالى أو لا يؤدي واجبه نحو المجتمع ، أو لا يعلم كيف يقوم بواجبه نحو المجتمع في كثير من الأحيان ، لذلك اهتم الاسلام - دين التقدم والخلود - بالتربية الاجتماعية ودعا البشرية جمعاء أن يكونوا متعاضدين وأن يعيشوا متحابين ، ووضع لهم القوانين التي لو عملوا بها وساروا على نهجها لرأيت الأرض جنة من الجنان (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) . والايمان بالله وطاعته يؤدي إلى عدم الفرقة قال تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) فانه جل وعلا اعتبر الايمان به مؤديا إلى الألفة وعدم التفرقة، ولكن الألفة التي حثت عليها الشريعة هي الألفة مع المؤمنين، فان الصداقة تؤثر تأثيراً بالغا على حياة الإنسان من حيث السعادة والشقاء، إلى درجة أنه جعل الصديق مرآة تنعكس عليها حسنات المرء وسيئاته ، لقد بنى الإسلام الأخوة الدينية على أسس عميقة فجعلهم كالأخوة فالمؤمن أخو المؤمن لا يشتمه ولا يحزنه ، ولا يسيء الظن به وقد شرع الإسلام أروع المناهج المؤدية إلى التلاحم والتواد كي تشيع المحبة والإخاء بين المؤمنين ، ونلمح باختصار إلى بعضها. أكد الإسلام على التراحم والتعاطف لأنهما من أهم الوسائل ومن أوثق الأسباب المؤدية إلى اتصال الناس بعضهم ببعض، كما لم يدع الاسلام شيئاً يزيد في الحب والوداد ويغرس في النفوس المودة والاخاء إلا وأرشد الاسلام إليه وحث عليه ، ولم يترك شيئاً يبعث في النفوس الضغائن والبغضاء إلا وحذر منه وأنذر الناس لما في ذلك من ضرر وخطر يجب على العاقل أن يتجنبه ويحذره ليعيش مع اخوانه حياة طيبة كما حذر الاسلام من التباعد والقطيعة وكره ذلك لأنه موجب لانتشار العداوة والكره فيما بين المسلمين ، ونهى الإسلام بشدة عن عدم التعاون ، وكره ذلك لأنه يوجب التباعد والتقاطع بين الأصدقاء ، حيث حرم الإسلام إيذاء المسلم وتحقيره ، لأنه موجب لتصديع شمل المسلمين وتفريقهم ، وهما من أنواع الظلم والايذاء اللذين حرمهما الاسلام - وقد أعلن الاسلام حرمة الايذاء ، قال تعالى : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما مبيناً). وقد أحاط الإسلام الوحدة الاجتماعية بسياج واق فحرم جميع ما يوجب تصديعها، فنهى عن تتبع عثرات الناس ونشر عيوبهم لأنه مما يسبب الفرقة ويثير الكره بين الاخوان.